لماذا الغرب لا يصادق حرّاً ؟!
د. عبد اللطيف عمران
يبدو أن الزمن الذي كانت تعتزّ فيه الشعوب والدول وتفاخر بعدائها لحكومات الغرب ولأدواتها وذيولها لم ولن يذهب إلى غير رجعة، فمنذ عقود قليلة مضت، كان مقياس الكبرياء والشجاعة والأنفة والرجولة والتضحية أيضاً، ألّا تكون على صلة أو وفاق مع حكومات أوروبا الغربية والولايات المتحدة، ومع من يدور في فلكها.
لا شكّ كنّا معجبين بثقافة الغرب وتقنيته ولازلنا، لكن لم يستطع أحد من شعوب حركة التحرر الوطني والعالمي في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية أن يقف مكتوف الأيدي تجاه النزوع الاستعماري في المنطقة والعالم بشقّيه القديم (العثماني)، والجديد (الصهيو-أطلسي) فنشأ حلف وارسو، ومؤتمر عدم الانحياز، ومنظمة تضامن الشعوب الأفرو آسيوية والأمريكية اللاتينية، وقدمت هذه المنظومات للعالم ولشعوبها قادة أحراراً ناضلوا الاستعمار والامبريالية والاحتلال والاستيطان والهيمنة، خلّد التاريخ أسماءهم وأفعالهم منهم مثلاً: نهرو – تيتو – خروتشوف – عبد الناصر – كاسترو – بومدين – حافظ الأسد..
أن لا يرضى عنك الغرب اليوم، يعني أنت وطني وحرّ وأبيّ وأصيل أيضاً. هكذا كان الأمر، ويبدو هكذا هو الآن، وليس الدليل الوحيد على هذا ما يجري في سورية، بل في بقاع عديدة من الأرض، هذه الأرض التي يحاول الكاوبوي الأمريكي أن يستبدّ بفضاءاتها، بمواردها، بشعوبها وحكوماتها، وأن يستبدّ أيضاً بحلفائه أدواتٍ رخيصةً كالاتحاد الأوروبي وغير قليل من النظام الرسمي (العربي)… ما يستدعي بمنطق التاريخ ردات فعل، ومواجهة، ومقاومة، ونشوء تحالفات تكون بالمرصاد لهذه الظاهرة في سبيل الحق والواجب لردع المعتدي، وقد نشأت سابقاً وانتصرت، وستنشأ اليوم، بل نشأت وعلينا إحياؤها لتكبر، وستنتصر أيضاً، وقديماً قيل: إنما النصر صبر ساعة… ولا ضير أن تكون هذه الساعة سنوات عشراً، بل العمر كله، فهذا خير من أن تنتقل -وكما يُقال- من تحت الدلف إلى تحت المزراب، كما انتقل غيرك وزرِب: من الزريبة.
ومن قبيل المتابعة، والمصادفة تعقد غير قليل من مراكز الأبحاث ندوات يشارك فيه مهتمون ومختصون و… إلخ في الحديث عن تجاوز العدوان على سورية عقداً من السنين، في مناخ يكون فيه حال من يعدّ العصيَّ ليس كحال من يتلقاها، وكأن سني العدوان ينقصها السرديات، والأدبيات، والوثائق، وما رافق هذا كله من غزو فكري، وتضليل إعلامي، وسجال بين مثقفي التكنوقراط، ومحللين يتناسلون ويتكاثرون كالجراد في أربع جهات الأرض، في وقت فيه شمس الحقيقة أسطع من أن تحجب، فلم يعد أحد في هذا العالم لا يعرف أشكال العدوان والضغوط والحرب على سورية البلد التي كانت تُوصف قبل 2011 بسويسرا الشرق. ولا يعرف ماذا فعل بها دعم الإرهابي والمتطرّف والخائن والمحتل، ولا يعرف أيضاً أسطورة صمود شعبها وجيشها وقائدها في وجه أخبث أنواع المؤامرات والتضليل.
فمتى كانت الحكومات الأوروبية، والإدارة الأمريكية، وأزلام البترودولار وربيبهم الصهيوني أنصاراً للشعوب والدول والمنظومات التي أفرزتها حركة التحرر الوطني في المنطقة والعالم؟ تلك الحكومات هي نصيرة الاحتلال والاستيطان والإرهاب… هل يمكن أن تكون يوماً ما مع شعب سورية وقيادتها السياسية، سورية الثوابت والمبادئ التي اختصر الحديث عنها القائد بشار الأسد بقولته التاريخية والواقعية في عيد الجيش العربي السوري: تكلفة الصمود والمقاومة مهمها بلغت تبقى أقل بكثير من تكلفة الخضوع والاستسلام.
إن ما يطلبه الغرب الجيوسياسي من سورية لا يمكن أن يلبيه شعبها ولا حكومتها، بل بالطبع والطبيعة لا يستطيع تلبيته مهما ازدادت وحشية الضغوط والعقوبات، لأننا على قناعة من أن المطلوب مبدئياً هو الطريق لتحقيق هدف ترفض دماء الشهداء والجرحى، وعزائم الأباة والأحرار في المنطقة والعالم تحقيقه.
صمدنا وضحّينا، وسنصمد ونضحي، دون أن ننكر معاناتنا من المنعكسات السلبية القاسية لهذا الصمود على الحياة العامة للمواطن وللوطن، ولا نهرب من قصور العامل الذاتي في الإدارة وغيرها، هذا القصور الذي تنامى مع الحرب والحصار واستمرار توالد أشكال جديدة بشعة ولا إنسانية من العدوان يُغنينا في الحديث عنها -أنموذجاً- ما وجهه البرلماني الروسي السيد ديمتري سابلين من انتقادات شديدة اللهجة إلى السلطات البريطانية لجنايتها على السيدة أسماء الأسد: (لا جدوى من الحديث عن أي أخلاق لدى زملائنا الغربيين… فهذا جزء من الضغط النفسي على قيادة البلاد قبيل الانتخابات الرئاسية، وعلى سيدة كريمة وشجاعة).
هذا هو الغرب، إنه ذيل الكلب.. وأكثر، وإذا كنا -الآن- لا نملك عصا سحريّة لتجاوز وحشيته، فلن ندعه يملك هو هذه العصا، ولا أن يهشَّ بها علينا فينفرط عقد تماسكنا جرّاء المنعكسات السلبية والقاسية على المواطن والوطن من تنوع ألوان ضغوط الوحشية، فخيارنا الصمود رغم الصعاب، والاصطفاف الواعي والمطلق خلف قيادة السيد الرئيس بشار الأسد حتى النصر الناجز بحتميته التاريخية.