“شهر الكتاب السّوريّ”.. نبض فكريّ متجدّد
لعلّ سنوات الحرب وما رافقها من حالة تأزّم الفكر وقصور الوعي، وما تبعها من حالة ركود شملت مناحي الحياة كافّة، كانت كفيلة بأن تضع الجميع في مواجهة لا بدّ منها أمام أسباب ما جرى، ونتائجه، ومتطلّبات المرحلة القادمة من أجل النهوض بواقع يُفترض التّأسيس على تداعياته، في محاولة لتجاوز ما مررنا به وعدم تكراره، حيث بات واضحاً أن أزمة الوعي تفوق في خطورتها أيّ أزمة أخرى، هنا يبرز دور الكتاب كحاجة ملحّة لتأسيس حالة جديدة من البناء العقليّ والفكريّ، وتتجسّد أهميّته كعامل أساسي قادر على سدّ النّقص الحاصل في السّاحة المعرفيّة والثقافيّة، وهنا أيضاً تتجلّى أهميّة مهرجانات الكتاب التي يجب أن تبقى السّمة الأبرز لهذه المرحلة وما يستتبعها من مراحل في قادمات الأيّام..
وإنْ كانت الفعاليات الثقافية المعوّل عليها، حاولت بشكل من الأشكال، أن تكون الوجه المشرق في واقع الحرب، لكنّ نجاحها يبقى مرهوناً بمدى جدواها وقدرتها على الجذب والبناء وترك التأثير المنشود، ولكنْ، يحسب لهذه الفعاليات، أيضاً، الجديّة والتّصميم على رفد الواقع الثقافي بالمزيد من العمل الدّؤوب، رغم كل ما يحيط بها من صعوبات، وما يكتنفها من عوائق.
ويأتي معرض “شهر الكتاب السوري”، الذي يستمر حتى نهاية هذا الشهر، ليؤكّد إرادة التجدد والتحدي، فلم تقتصر فعالية معرض شهر الكتاب السوري على معرض كلية الآداب في جامعة دمشق، بل اتسعت رقعتها لتشمل أغلب مديريات الثقافة، ليصل عدد هذه المعارض إلى نحو 30 معرضاً على امتداد المحافظات، ويقدم معرض كلية الآداب في جامعة دمشق نحو 950 عنواناً معظمها عناوين جديدة، تشمل صنوف المعرفة كافة، بدءاً من كتب الفكر السياسي، إلى كتب السينما، والمسرح، والأدب بفروعه المختلفة، إلى جانب الكتب المترجمة عن لغات مختلفة، إضافة إلى المجلات والدوريات، والكتب الناطقة، وهناك جناح خاص للأطفال يتضمن قصصاً وكتباً علمية وروايات، وتُقدَّم هذه الكتب للقارئ بأسعار رمزية وبحسومات تصل إلى 60 بالمئة، ما يتيح للجميع فرصة اقتناء إصدارات عديدة وبناء المكتبة الخاصة بأقل التكاليف.
لا تقتصر أهمية هذه المعارض على قدرتها على إعادة النبض للجسد الثقافي والمعرفي وإعطائه طابع التّجدد والحياة، ولا يقف دورها على انتشار القراءة والنشر والتوزيع، بل إنّ أهميّتها تتجّسد أيضاً في ترسيخ الكتاب الورقي كقيمة لا غنى عنها لتعيد له وهجه القديم من خلال الاقتناء والقراءة، خاصّة في ظلّ تأثّره الكبير وتراجعه، بعد التّطور التقني وانتشار الكتاب الإلكترونيّ مجاناً، الأمر الذي أجبر الكثير من القرّاء على هجر الكتب الورقية والتوجه إلى الكتاب الإلكتروني، لكن المعرض استطاع أن يحقق توازن المعادلة، فعلى الرّغم من توسيع حجم اهتمامه بالكتاب والنّشر الإلكترونيّين، إلا أنّ هذا لم يكن على حساب الكتاب الورقي، الذي كان هو الأساس في المعرض، وسيّد الإقبال الجماهيري.
يأتي معرض شهر الكتاب السوري ليشكّل احتفاليّة نوعيّة بالكتاب، ترفد الواقع الثقافي وتعزّز دوره في البناء والنّهوض بالإنسان، في ظلّ انتكاسات إنسانيّة وفكريّة لا بدّ لها أن تواجه بالكثير من قوّة الفكر وغزارة المعرفة التي بها تنهض الأمم وتُبنى الحضارات.
البعث ميديا – هديل فيزو