“سدّ النّهضة”.. هل بدأت “حروب المياه”!
إذا كان النّفط قد حوّل المنطقة العربيّة، إلى مركز للصّراع والحروب على مرّ السنين، فإنّ الماء سيجبرها على خوض مواجهة لن تكون أخفّ وطأة ولا أقلّ خطراً، فأمام تصاعد أزمة المياه في العالم، والخوف من تداعياتها، وحرص الجميع على ضمان الأمن المائيّ، يبرز التّهافت على مصادر الثروة المستقبليّة، وتلوح معه حروب من نوع جديد، حروب ستكون لها مخاطرها وأبعادها على المنطقة والعالم، وقد يوحي النزاع الدائر اليوم على مياه النيل بشكل من أشكالها..
يأتي التصعيد الحالي الذي يترافق مع أزمة سد النهضة، مع ما يرافقه من تعقيد للاتفاق بين الأطراف، في ظل تعثر دائم للمفاوضات على مدار عشر سنوات، ليجعل الأوضاع مرشحة لمزيد من الاحتقان، فكل طرف يؤكد تمسكه بحقه من مياه نهر النيل والاستفادة منها، فأهمية النيل بالنسبة لمصر تتمثل باعتمادها على مياهه بنسبة تقرب من ٩٥% للوفاء باحتياجاتها من المياه، وهو ما يعني أن أي تغيّر في حصتها سيكون له أثر كبير على الإنتاج والحياة في مصر، الأمر ذاته بالنسبة للسودان، فرغم أن وضعه أفضل إلى حدّ ما، وإن كان اعتماده على النيل يصل إلى ٨٠% من احتياجاته، إلا أنه يظل معرّضاً لقصور موارده المائية، الأمر الذي يثير القلق تجاه مشروع السد الذي أعلنت “أديس أبابا” تمسكها بالاستمرار به، في ظل إعطائه أولوية قصوى مرتبطة بأمنها القومي، باعتباره طوق النجاة لجميع مشاكلها الاقتصادية والأزمات المتعلقة بمصادر الطاقة.
ما يجري اليوم في ملف سد النهضة والحرب الدائرة بين الأطراف على مياه النيل، ليس وليد المرحلة فقط، فالمتتبع لتفاصيل الملف يدرك أن هناك تخطيطاً مدبراً وممنهجاً قديماً تتجلى نتائجه في الوقت الحالي، وكما جرت العادة في كل ما يخص ملفات المنطقة، لا بد أن تكون لإسرائيل اليد الطولى في كل ما يحدث، فتتخفى بأطماعها المتنامية لتدير أغلب هذه الملفات، وتتحكم بها، ولو عن بعد..
وكانت المياه، ومازالت، من أهم العوامل التي نشأت بسببها الحروب بين العرب والكيان الإسرائيلي، فإسرائيل تسعى بكل قوتها الآن لاختراق دول الشرق الأوسط وإفريقيا والسيطرة على منابع المياه فيها..
كشف تقرير لصالح مركز “الزيتونة” للدراسات والاستشارات في لبنان، النقاب عن دور إسرائيلي محوري في بناء سد النهضة الأثيوبي انطلاقاً من رؤية تقوم على إضعاف الدولة والمجتمع، بالإضافة إلى إضعاف الأنظمة السياسية العربية.
التقرير أكد أن الإسهام الإسرائيلي في مشروع سدّ النهضة الإثيوبي قديم، وأن نهر النيل لم يكن بعيداً عن الفكر الاستراتيجي الصهيوني منذ البداية، إذ إن فكرة إنشاء مشروعات صهيونية بهدف إيصال مياه النيل إلى “إسرائيل” بدأت سنة 1903 من خلال دعوات طرحها بشكل واضح “تيودور هرتزل”، وبعد أن أشار التقرير إلى العلاقات التاريخية التي تربط “إسرائيل” بأثيوبيا، ركز على متابعة الدور الإسرائيلي في تأجيج موضوع سد النهضة بين مصر وإثيوبيا خلال الفترة 2011 ـ 2020، حيث أشار إلى اعتماد إثيوبي شبه كلي على النصائح الإسرائيلية، من ذلك المعلومات المؤكدة عن وجود طابق كامل في مبنى وزارة المياه والكهرباء الإثيوبية يقيم فيه خبراء المياه الإسرائيليون، وهم يقدمون الخبرة التفاوضية والفنية للفرق الإثيوبية، وأيضاً نشاط الشركات الإسرائيلية، لا سيّما تلك التي لها علاقة باحتياجات بناء سدّ النهضة الإثيوبي، ولاحظ التقرير أن المشروع الإثيوبي بدأ فعلياً في سدّ النهضة في سنة 2011، وهي السنة التي شهدت بداية ما سمي بـ”الربيع العربي”، وكانت مصر في قلب هذا الحدث ومنشغلة بهمومها الداخلية وباضطرابات المنطقة، وبعد تصاعد الخلاف بين إثيوبيا ومصر حول آثار السد الإثيوبي، تواترت تقارير إسرائيلية، وغربية، وعربية، في 2019، عن قيام “إسرائيل” بنصب نظام دفاع جوي من نوع “سبايدر إم آر” حول سدّ النهضة الإثيوبي يمكّنه من إسقاط الطائرات الحربية من على بعد 5 ـ 50 كم.
إن النزاع حول مياه النيل مع كل التوترات التي ترافقه، يفتح الباب واسعاً أمام ماهية الخيارات المطروحة لتسوية هذا النزاع، والاتجاهات التي قد تسلكها هذه الأزمة في الوقت الراهن، وفيما بعد، ومع أن الاحتمال الأقوى يصب في خانة العودة إلى طاولة المفاوضات وتوصّل الأطراف الى اتفاق، إلا أن الخيار العسكري، يبقى خياراً مطروحاً، رغم خطورة تداعياته، لكثرة القوى الدولية المرتبطة بمشروع السد، وللعواقب الكارثية المُحتملة، التي قد ترتد على الدول ذاتها، وأيّاً كان مصير أزمة النيل، ومآلاتها، إلا أنها تحيل المنطقة إلى نزاع بدأت ملامحه تبدو أكثر وضوحاً، وتمهّد، بشكل أو بآخر، لحروب، إن اشتعلت، لن تطفئها الماء.
البعث ميديا || هديل فيزو