هل تضرّر الحزب من الحرب؟
د. عبد اللطيف عمران
لا شك في أن الحرب على سورية والعدوان على شعبها ومؤسساتها الوطنية كافة، وعلى ثوابتها وقيمها أضرّت بالبعث فكراً وتنظيماً وحضوراً -مع التأكيد على قدرته الفاعلة على تجاوز هذا الضرر فالدور لا يُعطى بل يُنتزع انتزاعاً- ما أثار عدداً من الأسئلة في ميدان الأزمة التي يواجهها الحزب ومعه المجتمع والوطن والأمة. فلا أحد ينكر أو لا يتذكر أنه منذ الأيام الأولى للعدوان على سورية بدأت وتطوّرت وتوسّعت المطالبة بإلغاء المادة الثامنة من الدستور السابق، ما يذكّر أيضاً بقانون برايمر في العراق واجتثاث البعث هناك على ما في الظاهرتين من تباين.
ومع غياب المادة /8/ من الدستور الراهن، ضاعف البعثيون جهودهم لتوطيد حضورهم كعقيدة وتنظيم وواجهوا التضليل الإعلامي والغزو الثقافي إيماناً منهم بأنه ليس كل حزبيّ بعثيّاً، وليس كل بعثي حزبياً، (فالقوة الحقيقية للحزب ليست بوجود المادة /8/ بل بالتفاعل والدعم الشعبي لبرامجه وأدائه السياسي والاجتماعي والاقتصادي) كما أوضح السيد الرئيس بشار الأسد الرفيق الأمين العام للحزب في مقابلته مع صحيفة البعث في 10/7/2017.
إنها الحرب، وأية حرب ضروس هذه التي تواجهها اليوم جماهير شعبنا وحزبنا على امتداد ساحات الوطن والأمة؟!. لا شك في أنها الأقسى تاريخياً وجغرافياً على الهوية والوعي والمصير، على المواطن والوطن، على المجتمع والدولة والأمة، على المشروع والفكر القومي العربي، فيها تجلّت أقسى الأشكال وحشية لتحالف الصهيوأطلسية والرجعية العربية والتطرف والتكفير والإرهاب والنيوامبريالية، مستهدفة بالتدمير، إضافة إلى ما سبق، البشر والشجر والحجر.
البعث تاريخياً مستهدف بمشروعه وبأهدافه وبشعاراته، بمؤسساته وبكوادره، بمسيرته الغرّاء بين النظرية والممارسة، وهذا أمر طبيعي لأنه في الأساس نشأ لمواجهة التحديات التي تعصف بمصالح الشعب وبمصيره ومصير الأمة وبالحقوق والواجبات.
صحيح أنه لم تخلُ مسيرة البعث لا في أدبياته ولا في تاريخه النضالي من عثرات وأخطاء وتباينات، وتناقضات أيضاً، وذلك نابع من إشكاليات التاريخ والجغرافيا التي طمحت نظريته وكوادره لتوسيع العمل في ميدانيهما، لكنه كان الأقدر على الثبات والاستمرار والصمود بين التيارات الأربعة السياسية والحزبية والفكرية في التاريخ العربي الحديث والمعاصر: القومية – الليبرالية- اليسارية- الإسلامية.
لقد نشأ البعث ولا يزال في معترك مواجهة العثمانية القديمة والجديدة، ومعها المركزية الاستعمارية الأوروبية وجناحاها الأمريكي والصهيوني، وذيول هذا من تحالف للبترودولار الداعم للتطرف والتكفير والإرهاب، هذه النشأة الفخور كانت مكلّلة بوعي هذه التحديات الخارجية، والداخلية أيضاً التي كان على الحزب سابقا،ً واليوم أيضاً التغلب عليها… وتكفي الإشارة إلى الداخلية منها بتخيّر أنموذج لها في عرض شفهي قدّمه القائد المؤسس حافظ الأسد في الجلسة الختامية للمؤتمر القطري السابع لحزب البعث 22/12/1979 – 7/1/1980: (… أنا لم أكن بعثياً إلا بسبب ما عانيت… لم أكن بعثياً إلا لأنني رأيت وسمعت إقطاعياً ورأسمالياً متكبّراً ومتعجرفاً، ورأيت بالمقابل فقيراً جائعاً مستبعداً… لهذا صرت بعثياً).
هذا المعترك كان ولا يزال مستمراً، وهو لا يعصف بالبعث وحده، ولا بالقطر السوري، بل بجميع الأقطار العربية ولاسيما تلك التي ناصرت المدّ القومي العربي التحرّري، سواء أكان فيها منظمات بعثية أم كوادر أم اتجاهات وأفكار عروبية، فمن الخطأ الظن أن الممالك والمشيخات ستكون بمنأى عن الضرر في هذا المعترك الذي يستنزف ما تبقى لها من رصيد مادي ومعنوي.
وبالنظر إلى هذه الحرب، وإلى هذا الحزب يظهر جلياً أن المعركة وطنية وقومية، فقد طالت مشروع البعث وأهدافه بأدوات مضادّة داخلياً: تطرف وتكفير وإرهاب ضرب البنى التحتية والفوقية الوطنية والقومية، وخارجياً: مفرزات التحالف الصهيوأطلسي الرجعي العربي القديمة والحديثة، فلا وحدة عربية، ولا حرية للوطن والمواطن والأمة (الجامعة العربية والعمل العربي المشترك؟!) ولا اشتراكية . . . إلخ.
بلى، تضرّر الحزب، لكن كيف؟:
1- تضرّر بما حدث على الساحة الوطنية والقومية من استقطاب قوى البترودولار لشرائح واسعة من الأجيال الطالعة، وصرفها عن أن تكون طليعة وطنية تقدّميّة، وزجّها في التطرف والتكفير والإرهاب بما يخدم أعداء الأوطان والأمة.
2- وبما ارتمت فيه بعض النخب من فنادق ومطارات وغرف عمليات الأعداء التاريخيين، فكانوا وقود التضليل والغزو الإعلامي والثقافي
3- ومن حرف البندقية ونقلها من كتف إلى كتف لتكون باتجاه محور مقاومة المشروع الصهيوني حيث كان يجب عليها أن تسدّد وتطلق النار.
بالمحصلة . . صار البعث أمام إشكالات عديدة لا شك في قدرته على حلّها، منها الانطلاق من أن البعث هو فكرة ومشروع، والأفكار والمشاريع لها مرحليّتها وظرفها وشرطها التاريخي، ومنها أن وحدته التنظيمية الراسخة التي أكّدتها مؤتمرات مؤسساته السنوية لا بد أن تتأثر بالمتغيرات التي طرأت على قاعدته الاجتماعية، وعلى وحدته الفكرية في زمن انتقل فيه الناس من الانكباب على الكتب إلى الالتصاق بشاشة الجوال، ما يهدّد العلاقة العضوية اللازمة بين الوحدتين التنظيمية والفكرية للحزب.
ومما يدعو إلى التفاؤل هو أن نظرية الحزب واستراتيجيته تاريخياً متكاملة وليست كاملة، منفتحة لم ولن تعرف الجمود والانعزال عما يجري في الواقع، فالأزمة والضرر إذن عارضان طارئان، ولن يكونا ثابتين.