الاستقرار الاستراتيجي العالمي استقرار الأزمة
لعقود خلت ارتبط مفهوم الاستقرار الاستراتيجي بالردع النووي، وعقيدة التدمير المتبادل، وأصبح مرادفاً لمصطلح توازن القوى، ولكن المفهوم اتخذ بعداً مغايراً مع الهيمنة الأمريكية على النسق الدولي، وبالتالي أصبح مرادفاً لمفهوم استقرار الأمركة كنظام سياسي للعولمة الدولية، ولكن عودة المحاولات التعديلية للنسق وبروز اتجاهات معاصرة لرؤى دولية للتعددية القطبية، ترافقت مع تراجع الهيمنة الأمريكية وبروز مراكز قوى صاعدة، ساهم في تصدع الاستقرار الاستراتيجي مفاهيماً وموضوعياً، ، فمن جهة لم يعد الردع النووي كافياً للاستقرار سيما مع الانتشار النووي الأفقي الحاصل دولياً، ومن جهة أخرى، ظهرت عوامل أخرى ساهمت في مدى كفاية الردع النووي للتهديد الاستراتيجي، فظهرت التهديدات غير النووية وعلى رأسها أسلحة الفرط صوتية، وعسكرة الفضاء، إضافة إلى الأنشطة السيبرانية المهددة للطرف الآخر، فأصبح مفهوم الاستقرار الاستراتيجي مغايراً للمفهوم الذي اكتسبه في حقبة الحرب الباردة.
راهناً، الاستقرار الاستراتيجي مرتبط ببيئة معقدة التركيب دولياً غير متوفرة بحكم التضاد الحاصل في رؤى القوى العظمى للنظام الدول، فبينما تسعى الولايات المتحدة نحو تجديد الأحادية القطبية المتآكلة، تصر روسيا ومن خلفها الصين على عدم عودة الزمن للوراء، وأن مسألة التعددية باتت أمراً واقعاً، إضافة لبروز فكرة التعددية القطبية الإقليمية ورغم ذلك، فقد اتجهت أزمة الاستقرار الاستراتيجي العالمي نحو (استقرار الأزمة) من خلال الاتفاق الأمريكي- الروسي لتمديد اتفاقية معاهدة (ستارت 3) حتى العام 2026، ولكن هذا الاستقرار المؤقت يحمل بحكم طبيعته عوامل انفجاره، وهو أمر يهدد الأزمات الإقليمية بالانفجار باعتبارها تفاصيل حاسمة، قد تحول دون انفجار الأزمة الكبرى، ومن المرشح أن تلعب الأزمة الأوكرانية حال اتساع دائرة النار في الشرق الأوكراني، عامل انهيار هذا الاستقرار الاستراتيجي، وبذات الوقت من المرجح أن تكون منعكسات الاستقطاب الحاصل راهناً ضاغطاً على مستقبل الحرب على سورية.
مركز بارادايم الدولي للدراسات الإستراتيجية.