الجولاني من تلميع سياسي إلى دور استخباراتي أمني
في مطلع شهر شباط الماضي، استضاف زعيم “هيئة تحرير الشام” الإرهابي المدعو أبو محمد الجولاني، مراسل صحيفة (فرونت لاين) الأمريكية مارتن سميث، ليكشف له عن نسخة جديدة من الجولاني الجديد، بقناع سياسي دبلوماسي مجمل للإجرام الإرهابي، محاولا إخفاء وإنكار جميع الأعمال الإرهابية التي نفذت بناء على أوامره وبأشرافه الآلاف من عمليات القتل الفردية والجماعية التي مورست بحق الشعب السوري، كان في مقدمتها “تفجير منطقة القزاز” بدمشق عام 2011، التي كانت باكورة إعلان تغلغل وتواجد تنظيم القاعدة في سورية.
التوقيت والشكل والتأخير في عرض المقابلة، كانت من أبرز السمات التي يمكن تلمسها بين سطور أهداف المقابلة بحد ذاتها، بالإضافة للجهة الإعلامية التي استضافت الجولاني وابعاد هذا اللقاء وغاياته، والتي لايمكن إخراجها من دائرة تحضير المناخات لتحويل رأي العام الغربي عموما والأمريكي خصوصا تجاه النصرة ومتزعمها، وقد تكون صورة جديدة للتعاون الأميركي مع هذا التنظيم في سورية وخارج الإطار الجغرافي السوري.
فالمقابلة التي أجريت في الأول من شباط 2021، لم تنشر بحينها، بل نشرت بعد قرابة شهر ونصف، متضمنة في مقدمتها طلب الجولاني من الغرب، إزالة تنظيمه من لوائح الإرهاب، مستندا في طلبه على عدة تأكيدات حاول الإيحاء والتلويح بها:
الأول: إشارته إنه لم يشكل يوما تهديدا للغرب وإنه لم ولن يكن العداء لأميركا وأوروبا، وهو إيحاء يحمل الكثير من الدلالات، أبرزها، تقديم أوراق اعتماده حليفا لأمريكا لتنفيذ أجنداتها في سوريا والمنطقة.
الثانية: مفاخرته بالدور الرئيسي الذي يؤديه في قتال الجيش العربي السوري، وإنه يسود على منطقة هامة في الجغرافية السوري. وهذا الإيحاء يعزز من الفكرة السابقة وتشكل ذريعة لتقديم الغطاء السياسي والدعم العسكري له.
الثالثة: إدعائه بأنه قام بقتال التنظيمات الإرهابية كداعش والنصرة، في مؤشر على تزويده للقوات الأمريكي على مكان زعيم داعش السابق الإرهابي “أبو بكر البغدادي”، أو لتبرير تصفيته منافسيه من الجماعات والقيادات الإرهابية التي تزاحمه النفوذ والمصالح، معتبرا إن تصنيف منظمته بالإرهابية هو تصنيف ” غير عادل وسياسي”.
هذه الإيحاءات الإعلامية للجولاني، للتودود مع الولايات المتحدة الأمريكية، تلقفتها الدبلوماسية الأمريكية، التي لم ينكرها “جيمس جيفري” المبعوث الأمريكي السابق لسورية، عبر ماكشفه مع الصحفي سميث، بان منظمة الجولاني كانت رصيداً لاستراتيجية أميركا في إدلب، والتي اعتبرها جيفري بأنها من أهم الأماكن لأميركا في سورية والشرق الأوسط حالياً، في مؤشر لأهمية هذا التنظيم لاستنزاف الجيش السوري من ناحية، ومن ناحية أخره لعرقلة وتأخير تقدمه نحو شرق الفرات، الأمر الذي يطيل من عمر بقاء قوات الاحتلال الأمريكي في المنطقة.
هذا التوظيف السياسي للنصرة أمريكيا والترويج الإعلامي، قد يكون مجرد تمهيد لمسار معركة أمنية وعسكرية واستخباراتية، بدأت ملامحها تدور بين واشنطن وموسكو، حول تليع صورة الجولاني، وربما لن تنتهب آخر فصولها حول الدور الذي بدأت تؤديه “هيئة تحرير الشام” في استهداف المصالح الحيوية الروسية خدمة لتوجه الأمريكي.
برز ذلك من خلال تخطيط الهيئة للقيام بعملية إرهابية فوق الأراضي الروسية_ وفق ما أعلنته هيئة الامن الفيدرالي الروسي_ بعد إلقائها القبض على شخصين من أنصار الهيئة، كانا يخططان لتنفيذ هجوم مسلح باستخدام عبوات ناسفة في إحدى المؤسسات التعليمية في القرم، بعد بث اللقاء بيومين.
وهو مايؤكد الانفتاح والحاجة الأمريكية للنصرة، وهو كشفه وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” في خطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ايلول 2019، “عن مسعى أميركي لفرض صفة “الاعتدال” على هيئة تحرير الشام، بالتزامن مع توجه سياسي وعسكري اميركي في تلك الفترة، لإخراج النصرة من قائمة التنظيمات المصنفة إرهابيا بعد إدراجها بذلك عام 2012″.
يبدو إن رحى الصراع بالوكالة يشتد بين روسيا والولايات المتحدة، وهو ماقد يشعل فتيل الجبهات مجددا، في مناطق نزاع متعددة في العالم، بما في ذلك أوكرانيا، التي لن يتهاون الروس بالسماح لكييف ومن خلفها أميركا و تركيا من تكرار نموذج إقليم “قره باخ” في استخدام التنظيمات الإرهابية بيادق في هذا الصراع، ضد روسيا.
في المقابل ظهور الجولاني على وسيلة إعلامية أميركية، قد يستتبعها لقاءات أمنية بين أجهزة غربية معه في إدلب، او على الحدود السورية التركية، وقد لانستغرب أن يكون هذا اللقاء في احدى الدول الأوروبية.
محمد نادر العمري