“انتفاضة” متجدّدة
لا يموت الحق ولا يفنى، يمتلك صاحبه على مدى الزّمان والمكان قوّة التشبّث به وجعله راسخاً ومتجذّراً في الرّوح قبل الأرض، ليبقى الحقيقة الساطعة وسط كل هذا الزّيف، حقيقة كلما مضى عليها الزمن ازدادت بريقاً وتوهّجاً، وهل يستطيع أحدٌ، كائناً من كان، أن يطفىء الشّمس؟!
كما في كلّ مرة، إنّها الانتفاضة التي لا تخبو، تبقى جذوتها مشتعلة مهما حاول المحتل إطفاءها، ومهما تعمد الغرب تجاهلها، وصم أذنيه عن سماع صوتها، ومهما حاولت اتفاقيات التطبيع وأدها، وحرف البوصلة عن وجهتها الأصيلة، فرغم كل التصعيدات العدوانية الخطيرة الذي يمارسها المحتل ضد الفلسطينيين اليوم، والذي تعمد فيها قصف الأحياء السكنية وقتل الأبرياء، إلا أن الفلسطيني يصر على فرض قانونه وصولاً لعدالة قضية عجزت عنها قوانين الأمم المتحدة، ليأتي الرد، كما هو دائماً، أكثر حزماً وقوة، بصوت حق ومقاومة حجر وصاروخ..
تأتي قضيّة الشّيخ جرّاح اليوم بكل تبعاتها ومآلاتها لترفع الغطاء عن غضب شعبي فلسطيني دفين يتحيّن فرصته ليعلن رفضه ومقاومته لكل أشكال العدوان والتهجير والتطهير العرقي التي ينتهجها الكيان في القدس المحتلة، فالتهام الأراضي ومصادرتها لإنشاء مشاريع استيطانية بالاستناد إلى مختلف القوانين الإسرائيلية، التي سعت حكومات الكيان إلى سنها منذ بدء الاحتلال، جعلت المنطقة الفلسطينية برمّتها تعيش وضعاً كارثيّاً، شكّل مهداً لمقاومة جاهزة للاشتعال في أي وقت وعلى امتداد الأرض الفلسطينية، مقاومة ليست جديدة، ولا تقتصر على المرحلة الراهنة فقط، في ظل سياسة وممارسات عدوانية عانى منها الفلسطينيون لسنوات طويلة ومازال، ويبقى الرّهان الأكبر متمثلاً بديمومة هذه المقاومة واستمرارها واتخاذها سبيلاً لا بدّ منه ولا رجعة عنه في مواجهة المحتل ومشروعه الاستعماري التوسّعي الشامل الذي لن تكون المنطقة العربية بمنأى عنه، وهنا تتبدّى أهمية هذا النضال ضد الاحتلال، فالفلسطينيون لا يدافعون فقط عن بيوتهم وأراضيهم، بل إن نضالهم جزء من النضال الوطني الشامل في مواجهة مشروع صهيوني عدواني خطير يستهدف المنطقة برمّتها.
ما يحدث اليوم في الساحة الفلسطينية يضع حكّام التطبيع وجهاً لوجه أمام اتفاقيات “سلامهم” المزعوم، فلم تشكل هذه الاتفاقيات، بأيّ حال من الأحوال، سياسة رادعة للكيان لإيقاف انتهاكاته وعدوانه الجائر والمستمر على الأراضي الفلسطينية، ولم تخفف من وطأة طمعه الاستيطاني، الذي يمارس ضد الفلسطينيين بكل الوسائل المتاحة؛ بل على العكس تماماً، أثبتت هذه الاتفاقيات فشلها الذريع عند أول امتحان لها، وموتها منذ لحظة ولادتها، لتؤكد مجدداً أن أي اتفاق مع هذا العدو لا يعدو كونه فكرة ساذجة هشّة، يتخذه ستاراً لتمرير كل مخططاته الاستعمارية في المنطقة، لن يكون آخرها ما تشهده مدينة القدس من تهجير واستيطان واعتداءات يقوم بها قوات الاحتلال والمستوطنون في منطقة باب العامود وحي الشيخ جراح، وما تتعرض له غزة من قصف متواصل على المناطق السكنية، ورغم الاستنكار الذي أبدته وأعلنته دول التطبيع لهذه الممارسات في الأرض المحتلة، إلا أن ذلك لم يشكل على الإطلاق رادعاً لدى الاحتلال لإيقاف عدوانه على الفلسطينيين..
الفلسطينيون اليوم، وكما في كل مرة، يعلنون ثقافة الحياة، يتسلّحون باليقين والمقاومة للدفاع عن قضيتهم، ورغم كل المؤامرات التي تحاك ضدهم، والقوانين التي تشرّع استمرار الاحتلال والسيطرة على أكبر مساحة من الأرض لبناء المستوطنات، وفق “خريطة ديمغرافية عدوانية بأكثرية مطلقة لليهود وأقلية للعرب”، ورغم كل الخيبات التي تتابعت عليهم مؤخراً، والتي لن تكون آخرها سيناريوهات “صفقة القرن ” و”التطبيع”، إلا أنهم متمسكون بسبيل خلاصهم الوحيد، الدفاع عن حقهم، أيّاً كانت الأثمان ومهما تعاظمت التضحيات.
البعث ميديا || هديل فيزو