مصادر العنفوان في كلمة الرئيس الأسد
د. عبد اللطيف عمران
رحتُ مساء أمس – كملايين السوريين وغيرهم – أترقّب كلمة السيد الرئيس بشار الأسد منتظراً بلهفة وتقدير ما يتوّج هذا الاستحقاق الدستوري الوطني الديمقراطي الذي مثّل تحوّلاً لافتاً في تاريخ سورية المعاصر، تحوّلاً كانت نتائجه متوقّعة – وإن فاقت التوقّع – متوقّعة لأن الشعب السوري عركته الأيام والسنون، فخبر بحدسه وأصالته وتجربته المريرة حقيقة الواقع، والمؤامرة عليه، وعلى دولته الوطنية ورموزها السامية. هذا الشعب الذي صبر وصمد وضحّى لا بدّ أن يبادر بطواعية والتزام وطني وأخلاقي إلى إحياء هذا الاستحقاق مجْداً، وعيداً، وثورة على كل من وما استهدف تاريخه وحاضره ومستقبله.
ثم جلست وعدد من رفاقي نستمع إلى الكلمة، نتتبع معانيها، ومحيطها العام – النبرة والصورة والصوت …- وبشكل لا إرادي وفي الدقائق الأولى طلب واحد منا التوقف عن المشاهدة للنقاش والتفكير، وإعادة النظر في بعض العبارات، متخيلاً إمكانية الاستجابة، إذْ لا إمكانية … فأسْكتناه وتابعنا الإنصات والإمعان والتدقيق … وانتهت الكلمة في أقل من عشر دقائق، وبدأنا النقاش والحوار في مضمارها الغني المتنوع، واتفقنا على التالي:
يوجد تباين من حيث الروح والهدف، الشكل والمضمون، بين كلمتي سيادته بُعيد نتائج الانتخابات ليل الخميس، وبين كلمة مساء الجمعة، فالأولى أقرب ما تكون إلى كلمة شكر وجدانية من مرشّح فائز يشكر مواطنيه مطالباً بالبدء (من الغد بمرحلة العمل لنعزز الأمل ببناء سورية كما يجب أن تكون). بينما الثانية هي بمثابة بيان واضح، ومنهج عمل صارم لتعزيز الأمل بعد قطع الطريق أو كافة الطرق أمام أعداء سورية الذين لم يدخروا جهداً سيّئاً خائراً إلاّ استنفدوه. ما يتطلب الأمر البناء على القوّة، والانطلاق من الانتصار، وهذا مصدر من مصادر العنفوان.
لم تكن نتائج الانتخابات وحدها هي التي تعزّز الثقة والأمل والعمل، إذ يُضاف إليها مظاهر إحياء جماهير شعبنا في الوطن وخارجه، واحتفاؤها بهذا الخيار الوطني وإقبالها وإقدامها على إخراجه بالصورة الوطنية الرائعة الزاهية التي تليق بمقام القائد الذي صمد وصبر وانتصر، فجنّب الشعب والوطن شرّ مؤامرة استهدفت مصيره وأرضه وعرضه وسيادته وقراره … تلك الصورة – اللوحة الخالدة بجميع مكوناتها – يعمل أعداء سورية على نكرانها.. فالنتائج وما سبقها وما تلاها وما سيلي ذلك من أمل وعمل يستدعي جميعه العزم والتصميم، والقوة والعنفوان أيضاً.
ومن طرف آخر فإن ما اقترفه أعداء الشعب والوطن من استهداف وإساءة ليس فقط لاستحقاق الانتخابات، بل قبل ذلك لإرادة الشعب ولحقوقه ومصيره، وهذا ما ينبغي الرد عليه بحزم، إذ بادروا إلى تخريب هذا الاستحقاق وعرقلته بوقاحة ورعونة، وزعرنة وبلطجة – إن صحّت التسمية – على أرض الوطن، ولا سيما في الشمال والشرق، وفي المغترب، بأساليب غير لائقة، بل سافلة ومنحطّة. فمنعوا المواطنين ليس من القيام بواجبهم فقط، بل من التعبير عن رأيهم وقرارهم، متجاهلين أن هؤلاء المواطنين في داخل الوطن وخارجه قد ينتخبون مرشحاً آخر، والحقيقة فقد انتخبوا مرشّحين آخرين … فأية حرية وديمقراطية يدّعونها وقد أغلقوا الطرق والمعابر أمام تدفق الآلاف للانتخاب داخل البلاد وخارجها … فهل مع هكذا جريمة واقتراف واعتداء يمكن المهادنة وغض النظر؟!
كانت تصريحات أردوغان والإدارة الأمريكية وبعض الأوربيين وعملائهم بمثابة عدوان على الشعب وعلى الوطن، وتزييف للحاضر وللتاريخ، وللحقائق أيضاً، إذ لا يحق أبداً لمن سرق وحرق وقتل واحتلّ وتآمر على المواطن والوطن، ولا لمن ارتزق وخان ومارس الإرهاب والتطرّف والتكفير، لا يحق لهؤلاء أن يفرضوا خيارهم، أو من يمثلهم، على الشعب، ولا يجوز للمجتمع الدولي أن يفكّر بالانحياز إليهم. فهم خارجون على القانون والأخلاق، وهم لا يستطيعون إلى الحق سبيلاً لأسباب عديدة، فلا بد من الوقوف بحزم وصلابة في وجههم، بل لا بد من هزيمتهم وهزيمة خيارهم بقوة وبأس ودون هوادة.
لذلك كان حقاً أخلاقياُ وواجباً وطنياً ما قاله الرئيس الأسد من أن (نتيجة الانتخابات كانت تحطيماً لغرورهم الزائف، وصفعة على وجوه عملائهم وأزلامهم)، إذ لا بد (من روح التحدي لحامل المسؤولية لمواجهة التحديات الوطنية الكبرى … بهذه الروح المقاتلة سنتمكّن من هزيمة كل أعدائنا … فالوطن يعلو ولا يُعلى عليه).
إنها القوة، وإنه العنفوان اللازمان لشعار (الأمل بالعمل).