مجتمع

الشباب ينتظر مرحلة العمل الجاد .. الكفاءات تموت واقفة!!

أسئلة كثيرة تطرح نفسها ونحن نرى مئات الكفاءات الشابة تهاجر بحثاً عن تحقيق أهدافها بتأمين عمل يليق باختصاصها العلمي ويؤمن لها عيشاً كريماً، ويأتي ذلك في ظل انكماش فرص العمل وخاصة خلال السنوات العشر الأخيرة، صحيح أن هجرة الكفاءات ظاهرة عالمية تعاني منها غالبية الدول، لكن أن تقف الجهات المعنية عندنا مكتوفة الأيدي أمام نزيف الكفاءات، فهذا ما يزيد الألم ويدفع بالمزيد من الشباب للهجرة!!.

ولعل السؤال الأهم الذي طرحناه مراراً دون جدوى منه: هل فكرنا كيف نحمي البقية الباقية من كفاءاتنا التي تطارد من قبل سماسرة الهجرة بهدف إفراغ البلد من كفاءاته، ونحن على أبواب مرحلة إعادة الاعمار التي نحتاج فيها لكل جهد؟.

بكل أسف.. نحن نملك ثروة من الموارد البشرية الشابة والخبيرة ولكن لا نعرف كيف نستثمرها في الوقت المناسب لنحظى بأفضل النتائج!.

إقصاء وتهميش!

الدكتور سامر مصطفى أبدى  استغرابه من كم العراقيل التي توضع أمام الكفاءات الشابة في مختلف التخصصات، وخاصة ممن يعملون أو المتخصصون في الإدارة، حيث هناك محاولة لإقصائهم وإبعادهم عن مكانهم المناسب، مشيراً إلى الاعتماد على تخصصات بعيدة كل البعد عن تخصص الإدارة وعلمها ومضمونها، مضيفاً: اليوم لم يعد يفيدنا (الإدارة بالتجريب)، لنتعلم من دول العالم المتقدمة التي تتسابق لتقديم أفضل الإغراءات المادية والمعنوية لاجتذاب أصحاب المهارات والكفاءات الإدارية المتميزة، فهي تدرك مدى النجاحات التي ستحققها بالاعتماد عليهم.

تشجيع وتحفيز

الدكتور المهندس علي سلطانة دعا للاهتمام بالكفاءات الشابة والخبرات التي أصبحت نادرة نتيجة هجرة الآلاف خلال السنوات العشر الأخيرة من عمر الحرب على سورية، مؤكداً على ضرورة إيجاد البنى التحتية المناسبة للعمل مع توفير التشجيع المادي والمعنوي، من خلال تمييز أصحاب الكفاءات المبدعون بحوافز تضمن لهم العيش الكريم ومقاومة إغراءات الهجرة.

قلة قليلة!

إن الأخطر من هجرة الكفاءات هو رفض من توفدهم الدولة للدراسة في الخارج العودة للوطن، وتشير الإحصائيات أن 10- 15 % من الطلبة الموفدين يعودون للوطن بعد إنهاء دراساتهم العليا في بلدان الإيفاد بينما يبقى الآخرون في بلدان الإيفاد نتيجة الإغراءات التي تقدم لهم، عدا عن أنهم يدركون ومن تجارب سابقة إن عادوا للوطن ربما يتم تعيينهم بغير اختصاصهم فيخسرون علمهم وحماسهم للعمل!.

أرقام مؤلمة!

بالرغم من أنه لا يوجد إحصائيات رسمية كثيرة عن هجرة الكفاءات السورية لا قبل الحرب ولا حتى خلال العشر سنوات الأخيرة، إلا أن هناك دراسة صدرت منذ عامين كشف أن هجرة الكفاءات تعد الخسارة الأكبر لسورية لأنها شكلت نزفاً مركباً للاقتصاد الوطني يصعب تعويضه في السنوات القريبة، وقدّرت الدراسة التي أشار لها مركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد)  أن الخسائر هي بحدود /40/ مليار دولار، منها /7/ مليار دولار خسائر بسبب نزيف الكفاءات والخبرات مع تكلفة تأهيلها، فضلاً عن /25/ مليار دولار كلفة إعادة تأهيل وبناء تلك الكوادر حتى تصبح جاهزة في المشاركة بإعادة الاعمار، وهناك من يقدر وصول حجم الخسائر من هجرة الكفاءات إلى أكثر من 100 مليار دولار إذا ما استمر النزيف دون أي إجراءات رادعة!

الرقم الأكبر!

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد بلغ عدد أساتذة الجامعات الذي غادروا البلد خلال السنوات العشر الماضية من عمر الحرب أكثر من 1220 أستاذاً من مختلف الكليات الجامعية، يضاف لهم نحو 150 أستاذاً من حملة درجة الدكتوراه الذي يعملون في مؤسسات مختلفة، فيما يقدّر عدد المهندسين بـ8521 مهندساً باختصاصات متنوعة، وتشير الإحصاءات إلى أن هناك أكثر من 21480 من حملة الإجازة الجامعية هاجروا أيضاً وهو الرقم الأكبر في عدد الكفاءات المهاجرة، وذلك بحسب ما ورد في دراسة أوردتها صحيفة الأيام السورية.

يكفي خذلان!

بالمختصر المفيد، لم يعد مقبولاً أن نقف مكتوفي الأيدي أمام نزيف الكفاءات الشابة المدربة والمؤهلة جيداً، أو التفرّج عليها وهي تموت واقفة داخل البلد نتيجة إقصائها وتهميشها وحرمانها من الوصول إلى مواقعها المناسبة في ظل عدم وجود معايير عادلة أمام طغيان المحسوبيات والفساد الإداري الذي ينخر عظام مؤسساتنا!، إن المطلوب على وجه السرعة تأمين ملاذ آمن للكفاءات ودعمها بالحوافز المادية والمعنوية وفسح المجال أمامها لتتبوأ مراكز القرار، فيكفي خذلان ووعود خلبية ذهبت أدراج الرياح، كفاءاتنا الشابة المتبقية أثبتت معدنها الحقيقي بالانتماء للوطن، ودعمها بكل السبل وتوفير عوامل البقاء لها بات أمراً لا يحتمل التأجيل، وخاصة أننا أمام مرحلة مقبلة شعارها الأمل بالعمل، والإيمان والثقة بطاقات الشباب المبدع فهو الرافعة الحقيقية للنجاح وتحقيق المكاسب والأهداف المرجوة، فهل من مجيب؟

 

البعث ميديا – غسان فطوم