سلايدمساحة حرة

“المعارك” الجديدة.. حين تتحوّل مواقع التّواصل إلى جبهات “حرب”

 لطالما كان للحروب والمعارك الكبرى ساحاتها وأدواتها التي يراهن عليها، ومآلاتها التي تسفر عنها، والتي تحمل في تفاصيلها على الأرض بطولات وهزائم عسكرية واقعة ترتبط غالباً بزمانها ومكانها، وعددها وعتادها، لكن، وفي عالم اليوم اختلف الأمر، لتتّسع دائرة الحرب وتجتاح العالم بسرعة فائقة، وتعتمد أدوات ربما تكون أشد قوة وأكثر تأثيراً، وإن كان لسلاح الكلمة دوره البالغ فيما مضى، إلا أنه، وفي حروب اليوم، أصبح يضاهي أي سلاح نوعي بسرعته ودقة وجهته وقدرته على الوصول والتأثير، ليكون الكل شريكاً حقيقياً وفاعلاً في المعركة، ولو من خلال صورة أو كلمة.

ما حصل في العدوان الأخير على غزة، وحملة التضامن العالمي الواسعة مع الفلسطينيين وأهالي شيخ الجراح، يؤكد أن فكر القضية لا يموت، وأن له صوتاً يبقى ينادي به، أياً كانت جنسيته ومهما كان انتماؤه، لتتحول منصات التواصل والإعلام الاجتماعي لساحات حرب ومواجهة لا تقل قوة وشراسة وحمية عن ميادين الحرب الحقيقية، يحاول فيها كل طرف الاستفادة من أدواته الإلكترونية المتاحة لإيصال صوته وحشد الدعم العالمي معه، لتكون هذه الأدوات رديفاً أساسياً في المعركة، وشاهداً حقيقياً وفاعلاً ينقل الحدث ويشاركه ويوثّقه بالصوت والصورة، لإيصال حقيقة ما يجري إلى آخر أصقاع الأرض، وهذا ما تبدّى جلياً من خلال ردود فعل الكثيرين من مختلف دول العالم..

لم يكن مستغرباً أن تنحاز معظم وسائل إعلام الغرب لصالح الاحتلال الإسرائيلي بغية كسب الرأي العام العالمي، لتعرض صور الدمار الذي أحدثه القصف الصاروخي الفلسطيني في الأرض المحتلة، والذي كان رداً على انتهاكات الاحتلال وعدوانه المتواصل على الفلسطينيين، لكن هذه الوسائل، وكما هو متوقع منها، تجاهلت تماماً الدمار الذي خلفه العدوان على غزة، ليتمكن الفلسطينيون من قلب المعادلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال إظهار حقيقة ما يحدث ونشر تفاصيل العدوان والمجازر والدمار وتوثيقها لحظة بلحظة من خلال الصور والفيديوهات التي كانت كفيلة بإظهار الفرق بين الدمارين، ورغم محاولة حكومة الاحتلال تلافي الأمر والتخفيف من آثار العدوان الهائل ودموية المشاهد وتبريرها على أنها من تلفيق الفلسطينيين، إلا أن الحقيقة كانت أوضح من أن تكذب، وكان الواضح أن هذه المشاهد حية وفورية من موقع الحدث تنتقل دون أي تعديل عليها إلى أكبر عدد من المتابعين بسرعة فائقة، ما أكسبها مصداقية تفوق وسائل الإعلام الأخرى.

احتدمت المعركة أكثر، وأخذت أبعاداً أخرى، فلم تنج منصات التواصل الاجتماعي من السياسات التمييزية والازدواجية والانحياز للكيان الإسرائيلي، ورغم أن حملات إخفاء المحتوى الرقمي الفلسطيني ليست أمراً جديداً، إلا أن مستوى تلك الحملات ارتفع بشكل ملحوظ، خاصة بعد أحداث حي الشيخ جراح وما تبعها من تطورات، حيث سجلت المنصات المعنية بالدفاع عن الحقوق الرقمية للفلسطينيين مئات الانتهاكات ضد المحتوى الفلسطيني، وتعرض نشطاء فلسطينيون وعرب لعمليات تقييد أو حجب حساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد مشاركتهم منشورات تدعم القضية الفلسطينية، ولم تطل عمليات الحظر الصفحات التابعة للحركات السياسية فحسب، بل امتدت إلى صفحات إخبارية وحسابات شخصية لصحافيين، ورغم استمرار التضييق على محتوياتهم الرقمية، لكن ذلك لم يثن الناشطين عن مواصلة النشر وإيجاد طرق بديلة كاعتماد ترتيب مختلف للكلمات لتجاوز خوارزميات مواقع التواصل.

جبهات حرب جديدة يعلنها العالَم الإلكتروني، حرب لا ضحايا فيها ولا دماء، دون مدرعات وحاملات ومقاتلات، هي ساحة لمعركة الفكر والكلمة والصورة في فضاء مفتوح يستطيع فيه الكل التعبير عن رأيه وإيصال صوته، معركة تستهدف تحقيق نصر سياسي معنوي يضعف الخصم ويكسر إرادته، ويمهد لنصر عسكري حاسم، استراتيجية حروب جديدة، أياً كانت إيجابياتها وسلبياتها، الواضح فيها أنها ستسيطر على المشهد، ولن تغيب بأشكالها عن أي حرب قادمة..

البعث ميديا || هديل فيزو