عن حجب الإعلام والقرصنة الأمريكية
تصرّ السياسة الأمريكية، في كل مرّة، على إثبات استبدادها وفرض هيمنتها على العالم، في ظلّ ممارسات أبعد ما تكون عن الدبلوماسية، وأقرب ما تكون “للبلطجة”، فمع شعارات الحريات الزائفة التي لا تكفّ عن ادّعائها، تبرز الكثير من ممارسات كبت الحريات ومحاولات اختطاف الوعي وفرض سياساتها وآرائها مقابل حجب وتغييب وإقصاء الرأي الآخر، بشكل مستتر أو مفضوح، ليس أوّل ذلك محاولاتها السيطرة على الرأي والإعلام في الحرب الأخيرة على غزة من خلال التحكم بمواقع التواصل وتعمدها تقييد و حجب حسابات ومنشورات، ولن يكون آخرها حجب مواقع إعلامية بالكامل..
ما معنى أن تحظر الولايات المتحدة 33 موقعاً إلكترونياً لإيران ومواقع أخرى تابعة لحزب الله، تحت أي ذريعة يمكن أن يبرر ذلك، وسواء أكان يندرج في إطار العقوبات الأمريكية أم أنها عملية قرصنة، كيف يمكن لإجراء غير قانوني أن يمر هكذا دون حساب أو مساءلة، وهل سنستفيق يوماً على منظومة إعلامية محجوبة بالكامل، إن أرادت السياسة الأمريكية لها ذلك؟!، أم أنها شريعة الغاب التي يغيب فيها العقل وتتسيد قوة اللامنطق واللاعدل؟!
الإجراء الأمريكي التعسفي الذي أكدت طهران أنه لن يحقق لواشنطن “سوى المزيد من الهزيمة والفشل”، يأتي في إطار فرض الضغوط القصوى على إيران، خصوصاً بعد فوز إبراهيم رئيسي في انتخابات الرئاسة، ما شكل نوعاً من الخيبة لدى ساسة واشنطن وكيان الاحتلال الإسرائيلي، فالواضح والثابت أن نهج رئيسي سيكون استمراراً لنهج من سبقه، وهو المعروف بأنه من أشدّ المؤيدين للمقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي ومن أكثر المعارضين للسياسات الاستعمارية الأمريكية الغربية، ما يؤكد أن إيران ستعزز مسارها المستقل وستحافظ على ثبات موقفها من قضايا الصراع في المنطقة، وهذا يتعارض مع مصلحة واشنطن وكيان الاحتلال في المنطقة.
الضغوط الأمريكية التي لم تتوقف منذ سنوات، سواء من خلال الحصار أو العقوبات أو الإجراءات غير القانونية، تأتي في ظل بدء محادثات الاتفاق النووي في فيينا، ومحاولات واشنطن الحصول على تنازلات في هذا الملف، وتوقيع اتفاق جديد وفق الشروط الأمريكية، ولزيادة هذه الضغوط، صدرت تصريحات تتحدث عن أن واشنطن لن ترفع جميع العقوبات قبل الحديث عن اتفاق نووي جديد، وأنها مستعدة للانسحاب من المفاوضات الجارية في فيينا إذا لم توافق إيران على ذلك، وهذا ما لن تقبل به إيران.
واقع الأمر أن سياسة “الحد الأقصى” التي تنتهجها واشنطن قد ثبت فشلها، وأن محاولاتها هيكلة العالم ورسم خريطة جديدة له وفق أهوائها ومصالحها ومصالح حلفائها لن تنجح، وإن كان حجب الإعلام هو من أكثر هذه السياسات استبداداً وأشدها انتهاكاً لحرية الكلمة والرأي، إلا أنه يمثّل الامتداد المعتاد والمتوقع لسياساتها ونهجها القديم الجديد القائم على حجب كل ما لا يوافق رأيها، لتتكشف تفاصيل أخرى في وجهها المخبأ، تعلن ضعفها عن مواجهة الحقيقة.
البعث ميديا|| هديل فيزو