ثقافة وفن

نضال سيجري في ذكرى رحيله الثامنة

بين ما يحمله اليوم من تواريخ مختلفة الطالع والمآل، منها: تتويج المنتحب الإيطالي بكأس العالم لكرة القدم لثالث مرة بتاريخها 1982، علماء يكتشفون أدوات حجرية يعود تاريخها لـ2.1 مليون سنة في موقع “شانغشن” الأثري في الصين، وهي أقدم دليل على تواجد أشباه البشر خارج أفريقيا، حكومة الوحدة الشعبية في تشيلي بزعامة سلفادور أليندي، تؤمم مناجم النحاس، تتوهج ذكرى خاصة رغم ألمها، تهم الجمهور السوري بشكل خاص، والعربي عموما، الذكرى الثامنة لرحيل الفنان السوري البديع “نضال سيجري” 1965-2013.
واحد من أهم صُناع الفرجة الدرامية المحلية بأنواعها –مسرح-سينما تلفزيون، منذ أكثر من عقدين، ووجه من الوجوه الفنية القليلة، التي يُجمع الجمهور بمختلف شرائحه العمرية والاجتماعية، على جميل موهبتها، التي تدخل القلوب دون استئذان، بعد أن ترك هذا الممثل الاستثنائي في دواخل جمهوره، قناعة راسخة، بكون العمل الفني الذي يكون فيه، هو حتما من الأعمال الجيدة التي تستحق المتابعة.
رغم أن الانطباع الأقوى عند الجمهور، عن نضال سيجري كممثل، هو أنه “كوميديان” من الطراز الرفيع، إلا أنه كفنان، قدم الكثير من الشخصيات صاحبة المنحى المختلف تماما، وبرع في تقديمها في العديد من الأعمال الدرامية المهمة، منها: “رياح الخماسين-2008″، “غزلان في غالبة الذئاب-2006″، “سيرة آل الجلالي-2000″، وغيرها الكثير من الشخصيات الدرامية الهامة، إلا أن رغبة الجمهور القديمة-المتجددة، في استنهاض الحس الكوميدي عند الممثل، ولو كان فيما يُعرف “الكوميديا السوداء”، وإعطائه مختلف ألقاب الحب، كانت هي السبب الرئيسي في تلبيته لتلك التطلعات، وبالتالي ذهابه نحو خيارات واضحة في تقديم الكوميديا، أول وأهم تلك الخيارات، ألا يقدم كوميدية مجانية، كتلك القائمة على “الزحلطة” والوقوع السمج، الألفاظ النابية، وغيرها من تلك المسماة زورا (كوميدية)،لتجيء أهم الأدوار التي لعبها، في خدمة هذا الخيار، فالكوميديا في جوهرها، تقوم على البراعة في التقاط التفاصيل المبطنة، والتي يمكن قولها من خلال مختلف أنواع الشخصيات، إلا أن الكوميدية منها، هي الأكثر قبولا عند الجمهور، وتقديمها بقالب كوميدي هادف، له رسالته المتوخاة، وهذا ما فعله “سيجري” في رحلته الفنية التي حملت روح هذا الفنان وطبيعته المحبة.
على المستوى الإنساني، من عرف “نضال سيجري” عن قرب، يعرف ما يحمله قلبه من محبة لا حدود لها، واندفاع ذاتي لتقديم يد العون في أي مجال “يستطيعه”، كلنا يذكر في بداية الأحداث التي جرت في البلاد، الجهود التي بذلها وهو المريض بأبشع أنواع المرض “السرطان”، ليكون بين الناس، يقدم وجهة نظر متوازنة لا هدف لها إلا توحيد القلوب التي فرقتها الحرب، وهذه رسالة الفنان المؤثر الحقيقية، نظرا للمكانة التي يتمتع بها عند الناس.
لقد خسرت الدراما المحلية برحيله الهادئ كخرير ساقية، فنانا كبيرا، بارعا، ذكيا، محبا، والأهم صادقا فيما يُضمر وفيما يقول.
تمّام علي بركات