الامتحانات الجامعية.. استمرار غياب العدالة وحشو زائد لا فائدة منه!
كالعادة لا جديد في أسلوب الامتحانات الجامعية التي بدأت يوم أمس، الطلبة بصموا وحشوا رؤوسهم بكم كبير من المعلومات التي أكل الزمان عليها وشرب، إلا ما قلّ وندر في بعض المقررات التي تم تحديثها على عجل “هات إيدك ولحقني”، فالمهم عند الطالب النجاح بأي ثمن والترفع للسنة الأعلى، حيث لا يكلّف نفسه الاحتفاظ ببقايا معلومات أو حفظ مصطلحات قد تفيده بعد التخرج في مزاولة المهنة!.
يعلّق بعض الطلبة على ذلك “لماذا الاجتهاد إذا كان المتخرج بمعدل ممتاز يتساوى مع متخرج بمعدل مقبول أثناء التقدم للوظيفة؟”.
في تقييم المشكلة نجد أنه لا حق على الطالب، بل على المعنيين الذين وقفوا مكتوفي الأيدي يتفرجون على معاناة الطلبة، بل معاناة منظومتنا التعليمية بكل مفاصلها، والدليل أن أسلوب التعاطي مع التعليم والامتحانات لم يتغير منذ عقود طويلة، والوقائع في ميدان الامتحان وعلى مقاعد الدراسة تكشف أن كل محاولات تحديث المناهج وتطوير الامتحانات باءت بالفشل، حتى عندما تم اعتماد أسلوب الأتمتة في محاولة لمحاربة الغش الامتحاني واختبار ذاكرة الطالب في اختيار الإجابة الصحيحة المتعددة الاحتمالات، نجد أن التجربة سقطت في العديد من الكليات لأن الطالب الذي تعود على مدار عقود على الحفط البصم لم يستطع التأقلم مع أسلوب الأتمتة!، واللافت هنا أن العديد من الطلبة يؤكدون “إن الامتحان المؤتمت يظلم الطالب المبدع، حيث يتساوى الطالب المجتهد مع المهمل الذي قد يحالفه الحظ باختيار الإجابات المتعددة الخيارات وربما يحقق معدلاً يتفوق فيه على الطالب المبدع!.
إن ما يثير الدهشة والغرابة بخصوص الامتحانات، أن خطة تطويرها موضوعة على طاولة النقاش منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث أقيمت لأجل ذلك عشرات بل مئات ورش العمل التي توجت بمؤتمر وطني لتطوير التعليم والامتحانات ولغاية اليوم لم نحصد ثماره، ليبقى الطلبة مجبرين على اجترار أسلوب تقليدي لم يعد في عصر تكنولوجيا المعلومات قادرا على قياس مقدرة الطالب بالشكل الصحيح نظراً لافتقاره للدقة والموضوعية، حيث هناك تدني واضح في نسب النجاح نتيجة المزاجية في التصحيح الذي يفتقر للإخلاص في التقييم!.
يقول طالب جامعي “الدكتور آخر همه إنصاف الطالب”.
السؤال الذي يطرح نفسه مع هذا الأسلوب الامتحاني القاصر والعاجز عن مواكبة المعايير الجديدة للعملية التعليمية، كيف السبيل للخلاص من هذا المأزق الامتحاني؟.
في الإجابة هناك عدة طرق عالمية يمكن الاستفادة منها، كالطريقة الأميركية المتعددة الخيارات، والتي تتسم بالنزاهة والشفافية والبعد عن الشخصنة في التصحيح، لكن المشكلة فيها أنها تحتاج لخبرة ومهارة في وضع الأسئلة ربما تكون غير متوفرة عندنا، وهناك الطريقة الفرنسية التي تتضمن وضع 3 إلى 10 أسئلة، وهي طريقة سهلة في وضع الأسئلة لكنها صعبة أثناء التصحيح كونها تتطلب قراءة متأنية من الأستاذ ما يجعلها شبة مستحيلة في الكليات ذات الأعداد الكبيرة التي يكون فيها بين أيدي الأستاذ 6000 آلاف ورقة امتحانية كما في الكليات الآداب والحقوق والتربية، وهناك من يحبذ طريقة الامتحان الشفهي، فهي بحسب المختصين تسبر بدقة معلومات الطالب وتقيمه بشكل عال من حيث الإدراك والمحاكمة للمقرر ولا تسمح بالغش لأنها مقابلة تعتمد على الفهم والإدراك والمحاكمة.
من الآخر إن أفضل أسلوب للامتحانات هو الذي يعتمد على الكتاب المفتوح الذي يطلق العنان لعقل الطالب بالتفكير والإبداع بحثاً عن المعلومة الصحية وعبر أسئلة متعددة الخيارات تشمل آخر مستجدات العلوم في كل اختصاص، وهنا لا بد من إعداد جيل من المدرسين وتدريبه ليعرف كيف يتعامل مع مستجدات ومعايير التقييم الجامعي، وهذا الأمر معني به مركز القياس والتقويم في وزارة التعليم العالي، فاليوم لم يعد مقبولاً حصر تفكير الطالب وقولبته بدفتي كتاب قد يكون عمره ربع قرن!.
البعث ميديا – غسان فطوم