“ليكن صباحاً”.. بصمة الانتماء في “كان”
موقف وإن كان لا بدّ منه، إلا أنّه يحمل من الفرادة ما جعله يترك أثراً في أحد أهم مهرجانات العالم، تمكّن صانعوه من بثّ رسائلهم وإيصال صوتهم الذي ردد صداه معاناة ترجمت بأسلوب فلسطيني له وقعه الخاص في “كان”، وإن كانت المشاركة في مهرجان عالمي تشكل فرصة لنيل حظوة ما، فإن الانسحاب منه في سبيل قضية له كل الحظوة، هذا ما حدث حين انسحب ١٢ ممثلاً فلسطينياً في فريق فيلم سينمائي من مهرجان كان، في دورته التي اختتمت مؤخراً، بعد ما قامت إدارة المهرجان بتسمية الفيلم “إسرائيلي” وهو فلسطيني، الأمر الذي اعتبره المشاركون في العمل طمساً للهوية الفلسطينية ومحواً لفكرها وفنها، وسواء كان الانسحاب مخططاً له أم لا، إلا أنه استطاع أن يثير الجدل، ويحرك الرأي في أحد أبرز مهرجانات العالم.
يلقي الحدث الضوء على فلسطينيي الأراضي المحتلة في 1948، الذين يؤكّدون باستمرار وفي كل فرصة سانحة تمسّكهم بجنسيتهم الأصلية، وقد أراد صنّاع الفيلم بهذا الانسحاب تسجيل موقف يعبّر عن الفلسطيني الذي يحمل مضطراً جواز سفر “إسرائيلياً”، فعرب فلسطين الذين وصل عددهم الآن إلى ما يقارب المليونين لهم معاناتهم الخاصة، فرغم الطبيعة العنصرية التي يعاملون بها صمدوا في بقائهم على أرضهم ، وكان لهم أسلوبهم بالنضال، إلا أنهم وفي الوقت نفسه لا يملكون الكثير من الخيارات، يضطر بعضهم إلى المشاركة في تفاصيل حياة هم غير راضين عنها، فرضها الواقع عنوة، كالمشاركة في أعمال فنية وسينمائية ليست من إنتاجهم خاضعة لقوانين الجهة المنتجة، فيتم التلاعب بها فنياً وحتى سياسياً، هذا ما جرى مع ممثلي فيلم “ليكن صباحاً”، الذين استطاعوا أن يقلبوا المشهد معلنين انتماءهم الحقيقي، انتماء داخل “كان” بثّوه بثبات موقف، وأكدوه ببيانهم الذي استنكر التناقض الكامن في تصنيف الفيلم في المهرجان فيلماً “إسرائيلياً”، بينما يواصل الاحتلال حملته الاستعمارية المستمرّة منذ عقود، وممارساته في التطهير العرقي والطرد والفصل العنصري الموجّه ضد الشعب الفلسطيني، مشددين على أن خطوتهم ليست رمزيةً، وإنما تعارض بشدّة إدراجهم في مثل هذه المناسبات من خلال إقصائهم ومحوهم كفلسطينيين.
وبالعودة للفيلم، فهو مأخوذ عن رواية «ليكن صباحاً» للكاتب الفلسطيني سيد قشوع، ينشغل بحالة الحصار التي تُحدثها الحواجز العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، وبالعوائق المادّية والنفسية التي يعيشها الفلسطينيون، وتدور الأحداث حول “سامي” المواطن الفلسطيني الذي يعيش في الأرض المحتلة، حيث يعود إلى مسقط رأسه مع زوجته وابنه لحضور حفل زفاف شقيقه، يمر حفل الزفاف، ولكن في طريق عودتهم إلى المنزل، تصادف العائلة جنود الاحتلال الذين يطالبونهم بالعودة، يتوسل “سامي” للجنود دون جدوى، وتضطر الأسرة للعودة إلى القرية، وتعيش معاناة الحصار.
الفيلم الفلسطيني الذي هو من إنتاج “إسرائيلي”، يثير إشكالية الإنتاج، وكيف يمكن أن يكون المال هو الذي يحدد “جنسية المنتَج”، كما يضع السينما العربية والأموال العربية في خانة المسؤولية، فإن كانت السينما العالمية الغربية قد قدمت الكثير من الأفلام السينمائية الموجهة التي تخدم الفكر السياسي للاحتلال وتحاول تبرير جرائمه وتصبّ في مجرى الانحياز له وكسب التعاطف معه وإظهاره بصورة مغايرة تماماً لما هو عليه في الواقع، مع ما يرافق ذلك من ضخ فكري مسموم وباطل، إلا أنه قد يؤثر، إن لم يواجه بالحقيقة التي يجب أن تصل وتؤثر، فهل استطاعت السينما العربية، مقابل ذلك كله، أن تقدم الحقيقة للرأي العام العربي والعالمي كما يجب أن تُقدم؟..
هديل فيزو