الجلوس الطويل. .. ليس راحة بل داء ..فاحذروه ؟!
الجلوس الطويل لا يقتصر على الموظف في مؤسسته، بل الأمر ينسحب على أفراد الأسرة الذين يتسمرون أمام شاشة التلفاز أو شاشات الجوال التي باتت تشغل جلّ وقتهم، غير مدركين أو متناسين إن صح التعبير ضريبتها الباهظة، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف في العيادات المختصة لمعاينة ومحاولة بلسمة آلام وأوجاع جسدية وربما نفسية.
“ريم.م” موظفة في إحدى الدوائر الحكومية تقول بدأب ونشاط كنت أقبل على عملي اليومي الذي دام سنين طويلة خلف شاشة الكمبيوتر، بدأت أشعر بألم في رأسي بشكل متكرر ما دفعني لزيارة الطبيب الذي نصحني بعد إجراء الفحوصات اللازمة والاستفسار عن طبيعة عملي بالتخفيف من الجلوس خلف الكمبيوتر والاستراحة كل نصف ساعة مدة عشر دقائق، إضافة لضرورة ارتدائي نظارات طبية.
بينما “لينا.م” طالبة جامعية تعليم مفتوح أتابع محاضراتي عن بعد عبر الانترنت، فحاسبي المحمول بات يلازمني كخيالي وهذه حالي منذ سنتين إلى اليوم، وفي أحد الأيام وبعد إلحاح من والدتي خرجنا للتسوق، حيث طلبت من التاجر قياسا معينا كنت ألبسه دائما ليضحك الأخير مستغربا أنت تمزحين يا آنسه؟ هنا غضبت وقلت أنا أدرى بمقاسي فقال حسنا كما تشائين فليكن أخذت البنطال ودخلت غرفة القياس هنا كانت الصدمة التي جعلتني أفيق من وضع كان سرقني وسرق اهتمامي بجسمي وصحتي أصبحت سمينة جدا، حينها خرجت والخجل يملأ وجهي حينها فقط قالت أمي الآن أدركت ما كنت أريد أن أحذرك منه. وتعقيبا على الحالات السابقة أكد تقرير نشره موقع “ديلي ميل” أن الأضرار الناجمة عن الجلوس لفترة طويلة ليست هينة كما قد يتصور البعض، فأبسطها الإصابة بالسمنة المفرطة بما تحمله من مساوئ كثيرة، ولكن قد يصل حجم الضرر إلى الإصابة ببعض الأمراض الخطيرة والمزمنة مثل النوع الثاني من مرض السكري، وبعض أمراض القلب نظرا لارتفاع مستوى الكوليسترول، وهو ما يؤدي إلى الوفاة المبكرة، كما يؤثر في معدلات الأيض ويزيد من احتمالية تعرض الجسم للالتهابات، وقد يتسبب في الإصابة ببعض الأمراض العقلية.
ولمّا كان للجلوس ساعات طويلة مخاطر جمّة التقت “البعث ميديا” الطبيب إبراهيم اللطيف أخصائي عصبية الذي صنفها إلى ثلاثة مشكلات مبتدئا بمشكلة العمود القطني” أسفل الظهر”، موضحا أن الغضاريف بين الفقرات لا تصلها تروية دموية بل تعتمد في ترويتها وتغذيتها على السائل اللمفاوي الذي لا يتحرك إلا إذا تغيّرت وضعية الجسم، وعدم حركته يعني تنكّس الغضروف وضعفه، وهذا سيؤهّب لخروج النواة اللبية من داخل الغضروف إلى خارجه ما يسمى بـ “الديسك”، لتضغط النواة على الجذور العصبية النازلة للطرفين السفليين. أما عندما يكون الألم القطني الموضّع أسفل الظهر فيعتبر تشنجا عصبيا عضليا أو تقوّما تشنجيا في العمود القطني، وهذا يعد سليما أي لا وجود لـ “ديسك”.
ولتجنب حدوث “الديسك” نصح د.اللطيف بتجنب الجلوس بالوضعية ذاتها فترة طويلة، والقيام بحركات إرجاع الظهر للخلف ثم للأمام ببطء، بحيث يكون النظر إلى السقف (نعد من 1- حتى 8 بحيث يكون 1 باتجاه الحائط ورقم 8 تكون العين على السقف)، ويجب أن تتم هذه الحركة خمس مرات بالساعة، ومن النصائح أيضا ممارسة الرياضة الخفيفة كالمشي “لبس بوط طري اسفنجي حصرا لتجنب تشكيل صدمة قاسية على الغضاريف الفاصلة بين الفقرات”، كما يفضّل المشي على أرض ترابية حصرا، إضافة لرياضة السباحة التي تقوّي العضلات جانب الفقرية جانب القطنية.
أمّا عن النوع الثاني من أضرار الجلوس الطويل فهي مشكلة العمود الرّقبي وفق ما ذكر د.اللطيف، الذي بيّن أن حوالي 70% من مراجعي العيادات العصبية يشتكون ألم قطني أسفل الظهر، و29% ألم رقبي، و1% ألم ظهري”منتصف الظهر”، فالجلوس فترات طويلة على الحاسوب أو مقاعد الدراسة أو غيرها يمهد لحدوث “ديسك رقبي” الذي هو عبارة عن ألم رقبي مع انتشار للذراع الأيمن أو الأيسر. يفصل بين الفقرات الرقبية غضروف في منتصفه نواة لبيه محاط بحلقة ليفيه، فإذا كان الموظف يقضي فترات طويلة بحني الرأس للكتابة مثلا، يسبب تنكّسا بالغضروف بين الفقرات وخروج ماده النواة اللبية إما إلى الأيمن حيث تضغط الجذر العصبي النازل إلى الذراع الأيمن وهنا يحدث ألم رقبي مع انتشار للذراع الأيمن”ديسك رقبي”، وكذا الحال بالنسبة للذراع الأيسر، والديسك يسبب ألما بالذراع، أو ألما وخدرا، أو خدرا فقط، للوقاية ينصح الطبيب بتحريك الرأس للخلف ببطء “شرط ألا يحدث ألم” وهو ينظر للسقف ثم فتل الرأس للأيمن ثم للأيسر بمعدل خمس حركات بالساعة.
والقسم الأخير من الأضرار وفق ما صنّف د.اللطيف هي مشكلة الأعصاب المحيطية بالطرفين العلويين “الذراعين”: يراجع العيادات العصبية نسبة كبيرة يشتكون خدر الكفين، الذي له أسباب كثيرة أهمها انضغاط العصب الناصف أو المتوسط “المسؤول عن تعصيب الإبهام والسبابة والوسطى ونصف الأصبع الرابعة”، وأهم أسباب انضغاطه مسك الجوال لفترة طويلة، إضافة لأسباب أخرى كزيادة الوزن، وقصور الغدة الدرقية وأسباب استقلابيه، وغيرها من الأسباب، أما العصب الزندي فيعصّب الأصبع الخامس “الصغير” ونصف الرابع، هذا العصب يمر من خلف الكوع “المرفق”، عادة الطلاب أو الموظفين يتكئون على قبضتهم بوضع المرفق على الطاولة، بهذه الحالة ينضغط العصب الزندي بين الطاولة وعظم المرفق، ما يسبب انضغاطا للعصب الزندي، وبالتالي خدر بالخنصر ونصف البنصر، وهذا الخدر يمكن تجنّبه بعدم الاتكاء على الطاولة وتجنب طوي المرفق بشكل عام قدر الإمكان، وترك اليد مفرودة وعدم طوي الساعد على العضد.
في نهاية المطاف تبقى الرياضة والتنزّه في الطبيعة البلسم المجاني في ظل الغلاء الفاحش حيث بات الأغلبية يكابر ويتجنب زيارة الطبيب أو يقنن في مصروف طعامه وغذائه للتغلّب على أثر الجلوس ساعات طويلة.
البعث ميديا||ليندا تلي