المُعلم سليمان العيسى
ورقات تطفر في الدرب/ والغيمة شقراء الهدب/ والريح أناشيد/ والنهر تجاعيد/
يا غيمة يا أم المطر / الأرض اشتاقت فانهمري/ والفصل خريف/.
الخريف وصورته كما بقيت في خيالي مذ قرأت هذه القصيدة الرشيقة للشاعر المجيد “سليمان العيسى” في الصف الثاني الأبتدائي”1985″ دون أن يستطيع أي شاعر أو روائي أو صورة فتوغرافية أو مشهد طبيعي، أن يغيرها أو حتى أن يضيف عليها.
ورغم حضور العديد من القصائد البديعة، لكبار الشعراء، في المناهج الدراسية ذاك الزمان، إلا أن ذاكرتنا –وهنا أتحدث عن جيلي-لم تخبئ في الوجدان كل هذا العمر، كشواهد راسخة عن تلك المرحلة، إلا ثمار “سليمان العيسى” الدائمة النضج، ثمار لا يجف عصيرها بمرور السنين، ولسوف تحضر نكهتها الفريدة حالا إلى “البال”، في أي وقت نطلب فيه الخيال لننجو من القسوة، التي ساهمت قصائده العذبة ذاك الزمان، في تخفيف وطأتها، وكأنه يُدرك بحسه الشعري الفريد، أن الأطفال بحاجة لجرعات عالية من الجمال، ليراكموه في وجدانهم، فيكون ملجأهم في القحط والقبح.
كانت قصائده الموجودة في المناهج الدراسية، بمثابة حصة فنون للطلاب، كيف لا وفي كل قصيدة تحضر فيها: الموسيقا/ التشكيل/الصورة/المشهد/ وهكذا نُفشت باكرا وبإزميل من ضوء، تلك القصائد في عقولنا الغضة، لم نكن حينها نحفظها كواجب مدرسي، بل إنها كانت من أغانينا المفضلة في الرحلات وأمام الأقرباء في عطلة الصيف، ولا زالت تذوب مفرداتها على شفاهنا، في كل مرة نذكرها فيها، “عمي منصور/ ماما ماما يا أنغاما/بابا بابا يومك طابا/يا بائع التفاح/قفز الأرنب/ وغيرها الكثير، ويمكن ملاحظة أن الكثير من قصائد سليمان العيسى، حملت وبأمانة من ذهب،هما تربويا أخلاقيا صعبا على عاتقها، كان لها أن غرست من القيم الأخلاقية والإنسانية ما غرست في النفوس، وهذه المهمة التربوية الحساسة، هي من أكثر المهام تعقيدا بالنسبة للأدب في التاريخ.
فتح الشاعر سليمان العيسى عيناه للمرة الأولى على الضوء، عام 1921 في قرية “النعيرية” الواقعة في لواء إسكندرون السليب، وتحت ظلال أشجارها، أخذ الصبي علمه وصقل برية حساسيته، على يد والده “أحمد العيسى”، وهذه هي الكتب التي كان عليه أن يحفظها في فتوته: القرآن/المعلقات/ وديوان المتنبي/ آلاف الأبيات من الشعر العربي. وفي التاسعة من عمره، راح يقول الشعر، ليكون لسان حال قريته وأهلها من الفلاحين، عندما أصدر أول قصائده، التي تحدث فيها عن بؤسهم وهمومهم.
نتاج سليمان العيسى الشعري، رغم غزارته، يمتاز بكونه لم يتنازل ولو للحظة واحدة، عن البراعة والجودة، من بعض مؤلفاته: مع الفجر 1952/شاعر بين الجدران 1954/أعاصير في السلاسل 1954.قصائد عربية 1959/أغنيات صغيرة 1967/أغنية في جزيرة السندباد 1971/الصيف والطلائع 1970/غنوا أيها الصغار 1977/المتنبي والأطفال/الديوان الضاحك 1979/غنوا يا أطفال 1979.
الموت قطف وردة الحياة من شاعرنا في 9/آب/2013، حدث هذا في دمشق التي سكنها وسكنته، عن عمر 92، قضاها في المحبة وزرع الخير وصناعة القيم الثلاث الحق/الخير/الجمال.
تمّام علي بركات