من كلمة الرئيس الأسد: الحكومة الجديدة وسؤال الإعلام
د. عبد اللطيف عمران
شكَّلت كلمة الرئيس بشار الأسد في اجتماع سيادته مع الحكومة الجديدة يوم 14/8/2021 تأكيداً وتطويراً للكلمة التي ألقاها أمام الحكومة التي تكاد تكون نفسها مع تغيير يكاد يكون طفيفاً، في 2/9/2020 ، خاصة في التركيز على قطاع الإعلام، تغيير رآه الناس مقبولاً جداً لأنه منطقي وموضوعي في الظروف التي تمر بها البلاد، ما يجعل الفريق الحكومي أمام نصّين واضحين ومهمّين خلال أقل من سنة، يكفل استلهامهما وتنفيذ مضامينهما النهوض بالأداء إلى المستوى المنشود من هاتين الكلمتين في هكذا ظروف.
وكعادته، انطلق السيد الرئيس من رؤية شاملة على المستوى (الداخلي) مبنيّة على علاقة عضويّة وموضوعيّة بين الرؤية والفعل، تمثّل منهجَ رئيسٍ، واستراتيجية قائد في وقت واحد، ما يصعب معه الإحاطة في هكذا نص بالأفكار العديدة، والمتنوّعة، والغنيّة التي تضمّنتها الكلمة التي يحتاج معها المتلقي (المسؤول والمواطن) إلى أكثر من قراءة. ولهذا سيُختصر الكلام التالي في الجواب عن سؤال الإعلام، سؤالٍ لا ينتهي في هكذا بلدان. وفي هكذا تحديات.
وسؤال الإعلام قاسٍ في لعبة (الربيع العربي) الدنيئة فقد وجدت المؤسّسات الإعلامية الوطنية والعربية نفسها أمام ورطة كبرى مع الأثر العاصف (للامبراطوريات الإعلامية) مقابل رأي عامّ هشّ تم استلابه ومصادرته بسهولة، ودون وعي ومقدرة من تلك المؤسّسات التي ضاعت بين وظائف الإعلام التنموي، والإعلام الاستقصائي… إلخ، والرأي العام الذي غاب عنها كمهمة، وكمصطلح لم يستقر حتى تاريخه، مع أنه ظهر متأخّراً في العلوم الاجتماعية في القرن الثامن عشر، فقامت هذه الامبراطوريات بصياغة رأي عام مطابق للمؤامرة التي لا يصحّ نكرانها والتي يبدو أنها مستدامة وللأسف، مما يتطلّب التركيز على سؤال الإعلام الذي يبدو أن السيد الرئيس رأى الإجابة عنه لم تتحقق بعد. كما أن كثيراً منا يرى أن الإعلام لو نهض بمسؤوليته لما حدث ما حدث.
في هذا السياق، عبّر السيد الرئيس منذ مطلع حديثه بمختصر الكلام وبسيطه عن إشكاليّة كبرى تخصّ الوعي الشعبي، والوعي الرسمي، تتصل بالتحصين من الدعاية المضادة الخارجية التي تؤدي – بل أدّت في كثير من الأحيان – إلى إقامة حالة عداوة بين المواطن والدولة – حالة أقامت بالتالي مفارقة بين الدولة والوطن، ونجمت عن عدم وضوح الخطاب -الإعلامي بالمحصّلة-: (لأن البعض من المسؤولين يتأثّر بالدعاية، فعندما تكون الأمور واضحة بالتفاصيل يكون الجميع محصَّناً ضد الدعاية الخارجية التي تركّز طبعاً بشكل أساسي على المواطن لكي تجعل الدولة بالنسبة له عدوّاً، وتحوّل المواطن عدواً للدولة، وبالمحصلة للوطن).
وقد صدر التفريق بين مفهومي الدولة والوطن في الكلمة عن ذهنيّة طالما ارتبطت بتدقيق الألفاظ، مثلاً: ونحن نستمع إلى حديث سيادته عن (الإعمار في المناطق التي دمّرها…) وتوقّعنا أن يقول: دمّرتها الحرب، وإذ به يقول: دمّرها الإرهاب. والفرق في الدلالة كبير بين الحرب والإرهاب… وهكذا في سياق الكلمة التي كانت بمجملها على محمل الشفاهيّة أكثر من الكتابيّة.
فكادت أغلب القضايا التالية في الكلمة على تنوّعها تتصل بالإعلام كسؤال وكاستراتيجية، ولهذا كان ختامها في المهمّة، بل المسؤولية الواقعة على عاتق الإعلام في محاربة المفاهيم الدخيلة على المجتمع السوري: (فالمشكلة الأكبر بيننا وبين المواطن هي التواصل الذي لدينا مشكلة حقيقيّة فيه ونحن في خضمّ هجمة عالمية لتشويه المفاهيم الوطنية… وهذا عنوان لا يرتبط بوزارة الإعلام فقط، بل بالثقافة والتربية والتعليم العالي والأوقاف). فالإعلام جسر بين المواطن والمسؤول (فيجب على كل فاسد أن يشعر بالقلق في كل لحظة)، والشفافية تقلّل من أخطائنا كمسؤولين (وعلينا أن نبادر دائماً ولا نخاف من الخطأ، بل من تكرار الخطأ)…
ولهذا سيجد الإعلامي في كل فقرة من الكلمة مَعيناً له وجواباً على سؤاله، جواباً يتخيّره حسب فهمه وحسب حاجته، حسب مهمته، ومؤسسته، ووسيلته. يجد هذا الجواب في الحديث عن أهميّة المشاركة والعمل الجماعي اللذين يضائلان حجم الخطأ، كما يجده في اللامركزية وتحقيق التنمية المتوازنة، وفي عدم جدوى الثورة التشريعية مع ضعف الإدارة، وعن (الخلل والضعف والفساد إلى آخره من التفاصيل التي تؤثّر سلباً على العمل)، كما يجده أيضاً في الحديث – إذا أحبّ وأراد – عن التركيز على المشاريع متناهية الصغر.
نعم لقد شكّلت الكلمة سؤالاً وجواباً إضافيين إلى مهمّة الإعلاميين أفراداً ومؤسّسات ووسائل، سؤالاً وجواباً يؤسّسان لتبعات جديدة ملقاة على وزراء الحكومة جميعهم وليس على وزير الإعلام وحده.