دوليسياسة

عندما يكون الجيش لحماية السلطة!

ما حصل في أفغانستان ليس مستغرباً في ضوء معرفتنا الدقيقة للسياسة الخارجية الأمريكية وعلاقتها المشبوهة مع عملائها، والآلية التي تتعامل بها الإدارات الأمريكية معهم عندما تنتهي الخطة المقررة لهذه المنطقة أو تلك، وقد أكدنا في أكثر من مناسبة أن الإدارات الأمريكية تستثمر كل الوسائل غير الأخلاقية لتنفيذ اجندتها المرسومة لتحقيق أهدافها الاستعمارية البغيضة بما في ذلك الخطوط المفتوحة مباشرةً مع التنظيمات الإرهابية المصنفة دولياً ضاربة بعرض الحائط القرارات الدولية ذات الصلة، لم تكن أفغانستان البلد الأول في العالم الذي احتلته الولايات المتحدة الأمريكية ونهبت ثرواته وخيراته الثمينة، وانسحبت منه تاركةً مصيره بيد شياطينها الذين هيأتهم في زمن سابق من أجل حمل الصورة القبيحة وحرق تاريخ الحقبة التي قضتها في تلك المنطقة ولن تكون البلد الأخير الذي يلاقي ذات المصير الأسود، وهنا لا بد من كلمة حق بأنه على عملاء أمريكا في منطقتنا الذين يستندون في خططهم وطموحاتهم على الدعم الأمريكي المفترض أن يقرؤوا جيداً مستقبل علاقتهم المشبوهة مع الإدارات الأمريكية وأي مصير ينتظرهم مستقبلاً ؟
لن ندخل هنا في تفصيل العلاقة المثبتة بين الحركات الإسلاموية المتطرفة ( القاعدة وأخواتها وبناتها و..) وبين الاستخبارات الأمريكية ودور الولايات المتحدة في نشأتها وتمويلها الأولي وتوجيهها بما يخدم الاستراتيجية الأمريكية التخريبية في منطقتنا وخارجها، سيما ان ساسة الولايات المتحدة قد أفصحوا هم أنفسهم عن تلك العلاقة في أكثر مناسبة، وجميع تلك التنظيمات تعمل من وحي المصلحة الأمريكية وفي خدمتها، وكل الشعارات الأخرى هي مجرد غلاف لكسب ود الجماهير المتدينة ليس إلا .
وفق تصريح الرئيس الأمريكي ” جو بايدن ” : ” بأن الولايات المتحدة قد صرفت تريليون دولار أمريكي من أجل تثبيت دعائم الدولة وإقامة جيش أفغاني لحماية الدولة والمؤسسات والأمن العام، لكن الرئيس الأفغاني وأعوانه هربوا محملين بالأموال المنهوبة ولم يتمكن الجيش من الدفاع عن البلاد “، (انتهى الاقتباس )، متناسيا السيد ” بايدن ” عن عمد ربما بأن الجيش الذي تم إنشاءه وتدريبه وتمويله من جيوب الشعب الأفغاني هو من أجل حماية المصالح الأمريكية قبل كل شيء ولحماية الرئيس وشركائه في السلطة، وليس من أجل حماية البلاد والحفاظ على الأمن العام، وأن قيادات هذا الجيش هم بالأساس عملاء يدينون بالولاء للاستخبارات الأمريكية، ولم يكن جيشاً وطنياً تربى على منهج وطني يعتز بالولاء لأفغانستان ولم يكن هدفه حماية البلاد والعباد والدفاع عن وطنه بشرف وإخلاص ؟ لذلك شاهدنا حالة الفرار البري والجوي ( حتى الطيارين هربوا بطائراتهم نحو دول الجوار ) أمام تقدم عناصر طالبان الذين استولوا على الدولة ومؤسساتها بالاتفاق والتعاون مع قادة الجيش الأمريكي دون حصول أية معركة، مقابل تأمين المطار وتسهيل عملية إجلاء القوات الأمريكية والدبلوماسيين الأمريكان، وإن منظر الشعب الأفغاني وهو يحاول ( التعمشق ) بعجلات الطائرات ويتدافع ليحظى بفرصة أمل في الحياة من خلال دخول الطائرة المغادرة خوفاً من المستقبل الأسود الذي ينتظره في ظل حكم طالبان وعمليات الانتقام المنتظرة، هي صورة رغم مرارتها تعبر عن رسالة بعيدة المدى لكل الأنظمة والجماعات والأفراد الذين باعوا أنفسهم للأمريكان وتخلوا عن شرفهم الوطني، مقابل تقديم الولايات المتحدة الدعم لهم لتحقيق أحلام وهمية لم ولن تكن في يوم من الأيام مقروءة في قاموس السياسة الأمريكية؟؟
إن الإدارات الأمريكية على مدار تاريخها الأسود آخر من يحق له الحديث عن حقوق الإنسان والأخلاق، لأن كل تدخلاتها في العالم كانت من أجل تحقيق مصالحها الذاتية وخدمة لأطماعها العدائية بهدف السيطرة على العالم واقتصاداته وثرواته ، وكانت القوات الأمريكية تتجاهل على الأرض كل القيم الإنسانية والأبعاد الأخلاقية المفترضة، وما حصل في معتقلات ” غوانتينامو ” والعراق وغيرهما من المعتقلات الطيارة دليل قاطع على قذارة وسائل الإجرام المتبعة وطرق التعامل الوحشي مع المعتقلين الذين لم يوافقوا على التعاون مع الاستخبارات الأمريكية ويرفضون تنفيذ سياستها أو مساعدتها في تحقيق أهدافها العدوانية ضد أعدائها، وحتى عملائها لم يفلتوا من بطش القوات الأمريكية عند انتهاء صلاحيتهم.
وأما عن الأهداف البعيدة لتسليم السلطة في أفغانستان لحركة طالبان وتركه تحت رحمة العصابات المتطرفة، فهو من أجل تفخيخ المنطقة برمتها في وجه التنين الصيني ومشروعه الاقتصادي العالمي، وهذا يتطلب دراسة خاصة وتحليل أوسع، لكن بالمختصر نرى بأن الولايات المتحدة تسعى بكل السبل لتفجير المنطقة ذاتيا بأدوات إرهابية تشارك فيها أنظمة معينة موالية للأمريكان وللتنظيمات الإرهابية بذات الوقت، دون أن تتحمل الولايات المتحدة عناء الحرب المباشرة ؟؟

محمد عبد الكريم مصطفى
Email: Mohamad.a.mustafa@Gmail.com