ثلاثمائة شخص مقابل واحد
انطلق أكثر من ثلاثمائة شخص لإنقاذ حياة شخص واحد.
هذا الأمر يصعب تصديقه، لكنه جاء في الواقع بجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.
في أحد الأيام من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2020، نقلت مريضة خطيرة جدا إلى المستشفى العام في قضاء سيبو بمحافظة كانغواون الواقعة في وسط هذا البلد، وهي طفلة في الثالثة من عمرها غابت عن وعيها، بعد أن أصيبت بحروق من الدرجة الثانية إلى الثالثة في بطنها وصدرها وفي كافة أجزاء ذراعيها لأمر مفاجئ.
فلم يفعل والداها سوى البكاء، متسائلين في نفسيهما هل عسى أن تعود إلى الحياة في حال وقوعها في الغيبوبة، فضلا عن كونها مصابة بالحروق في صغر سنها المفرط.
ما لبث أن انصرف عاملو الطب في المستشفى إلى أعمال علاجها المركز، فقد تم تشكيل فريق العلاج، وعقدت الاجتماعات التشاورية الاستثنائية للأطباء أكثر من مرة. هكذا، أجريت أعمال العلاج المركز والمكثف لها عدة أيام، حتى استطاعت أن تستعيد وعيها.
ومع ذلك، ما زالت هناك مشكلة هي عملية ترقيع جلدها، إذ لم يكن بالإمكان ضمان هذه العملية على وجه الرضا باستخدام جلود بضعة أشخاص فقط، نظرا لسعة مساحتها المصابة بالحروق وعمق غورها. لذا، كان عاملو الطب، ناهيكم عن والديها، يشعرون بالضيق حائرين فيما يجب أن يعملوا.
في هذا الوقت بالذات، أخذ عدد كبير من سكان ذلك القضاء يتقاطرون على المستشفى، راغبين في التبرع لها بجلودهم. كان بينهم الجاهلون بها أكثر من معارفها أو معارف أفراد عائلتها.
لعل من لا يعرفون جيدا المجتمع الكوري يعتقدون أن أسرة المريضة تملك أموالا قادرة على تحمل نفقات علاجها أو يتبرع المواطنون بجلودهم طلبا لشيء ما. ولكن في هذا البلد، يقدم للمواطنين جميع الخدمات الطبية بلا مقابل، ويتبرع أولئك بجلودهم دون أي طلب منهم.
فقد زرعت على بشرة المريضة قطع الجلد التي تبرع بها أكثر من 300 شخص من الأطباء والممرضات، والعاملين في مختلف الأجهزة وسائر الجماهير العاملة في القضاء.
جرت لها عمليات الترقيع الأربع بنجاح، حتى صارت تلج مرحلة الانتعاش. على ذلك، ذرف والداها دموع الامتنان لهم، فيما هما يريان حالتها الجسدية تتحسن يوما بعد يوم.
حقيقة، أصبح مثل هذه القصة أمرا عاديا في المجتمع الكوري، إذ من عادة الكوريين أن يعتبروا آلام وعذابات الآخرين كآلام وعذابات أنفسهم، وينذروا دماءهم ولحومهم وحتى أرواحهم دون تردد من أجل الغير. كما أنهم يفضلون استخدام ضمير المتكلم في صيغة الجمع “لنا” على ضميري المخاطب والمتكلم في صيغة المفرد “لك” و”لي”، ويعيشون جميعا في جو الألفة والمساعدة والأخذ بيد الآخر.