فاتورة ضد الدفع.. تُرضي المواطن والحكومة أيضاً؟
وكأننا أدمنّا ترداد “اسطوانات” تكاليف الدّعم بكلّ أشكاله، بعد عقود طويلة من الجدل من ذلك الطراز الذي يصفه بعضنا بـ ” البيزنطي” و يفضّل البراغماتيون وصفه بـ ” العقيم”..لكنه على كلّ حال بيزنطي وعقيم ومزعج حتى الملل..فلا الحكومة راضية ولا المواطن أيضاً، رغم الفاتورة الباهظة التي تُدفع في هذا الزمن الصعب بحزمة سنيّه العجاف..لكنها تضيع بلا عائد معنوي و لا أثر حقيقي لتخفيف المعاناة على الأرض.. وبات في الأمر ما يسيء فعلاً لهيبة دولة وكرامة مواطن، لذا على الأرجح أمسى على الحكومة أن تجترح حلاً بما أن الوضع الرّاهن لم يرض أحداً..
بعض المسؤولين الحكوميين تحدّث – على حياء – عن تسييل الدعم، أي إيصال الدعم لمستحقّيه على شكل بدلات نقدية ولو على طريقة ” لا يموت الذئب….” وفي الأوساط الشعبيّة هناك من يطالب بالشيء ذاته، فلماذا الإصرار على الآلية المرتكسة بكل معنى الكلمة..بما أنها مطلب لكل الأطراف؟؟
وفقاً لأرقام الحكومة..تصل الفاتورة السنوية لاستيراد المشتقات النفطية إلى أكثر من 2.4 مليار دولار ” حوالي 200 مليون دولار شهرياً ” .. وتستفيد من دعم المشتقات النفطية حوالي 4 مليون أسرة ” وفقاً لعدد البطاقات الالكترونية المتداولة حالياً ” في تشوّه رهيب لآلية توزيع الدعم..تشوّه متروك بلا علاج رغم الأحاديث – صراخاً- عن الانحرافات الحاصلة، وما ينتج عنها من فساد وضياعات و رضوض مادية ومعنوية للجميع..فبحسابات واقعية تعادل فاتورة الدعم من حيث القيمة الرائجة إجمالي رقم الموازنة العامة للدولة في العام 2021 .. أي ” 8500 مليار ليرة سورية” وهذا خطير خطير.
المستفيدون من الدعم هم كل حامل بطاقة الكترونية، أي بالعموم جميع الأسر في سورية، ونذكر أن كل أسرة استحقت بطاقة دون أي قيد أو شرط أو روائز، وتمكّن البطاقة حاملها من الحصول على المازوت والغاز..أما البنزين فله بطاقة خاصّة لكل سيارة مهما صغرت أو كبرت سعتها وقيمتها، ومهما كانت الملاءة المادية للمالك..وهذا أكبر خلل في آلية التوزيع لا بدّ من استدراكه.
الخطوة الأولى باتجاه الحلّ.. تبدأ من معالجة إحداثيات توزيع البطاقات.. فهناك عارفون بخفاياً الأمور وحقائقها غير الظاهرة، يجزمون بأن أي ” غربلة لبطاقات الدعم” وتوزيعها وفق اعتبارات واقعية وموضوعية، سينخفض بعددها من 4 مليون إلى 3 مليون بطاقة.
الخطوة الثانية.. بعد تحديد دقيق للأسر المستحقة للدعم..نبدأ بتسييل الدعم أي منح بدلات نقدية لهذه الأسر ” 3 مليون بطاقة” ..وليكن ما قيمته ” 200″ دولار لكل بطاقة في السنة وفق السعر الرسمي.
الخطوة الثالثة.. يتم تحرير أسعار المشتقات النفطية..وتتولى الحكومة إدارة التوريد، وتتقاضى الحكومة سعر الكلفة أو بقليل من الربح كما هو الحال في كل بلدان الدنيا.
الخطوة الرابعة…تقوم الحكومة أو القطاع الخاص بإنشاء وتوزيع محطات ” صهاريج” مخصصة لبيع الغاز بالكيلو كما هو الحال لدى الجار اللبناني.
النتائج المتوقعة:
ضمان عدم حصول اختناقات في سوق المشتقات النفطية ” مازوت وغاز” وحتى البنزين.
القضاء على نشاط حيتان السوق السوداء الذين يحصدون الحصّة الكبرى من فاتورة دعم المشتقات النفطية ، وعلينا ألا نتوهم بأن الدعم يصل فعلاً لمستحقية، بل لهؤلاء الذين باتوا ” أثرياء في زمن قياسي”..
إتاحة المادة بأسعار معلنة ومعقولة بالكميات التي تفي بالحاجة…ففي الآلية الراهنة لا بدّ أننا لاحظنا جميعاً أن ليتر المازوت يُباع بـ 4 أو 5 آلاف ليرة في السوق السوداء، ومثله ليتر البنزين …رغم أن كلفة استيراده 2200 ليرة سورية، وهناك إقبال و ” محسوبيات شخصية توسّطات للحصول على بضع ليترات عند الحاجة”.. كذلك اسطوانة الغاز يصل سعرها إلى ” 90 ” ألف ليرة عندما تستحكم الحاجة بأسرة تبحث عن اسطوانة.
الواقع أنه لا حلّ لمشكلة المشتقّات النفطية والاختناقات الحاصلة التي وصل صداها إلى كل الدنيا، إلا بمثل هذه المعالجات الجراحية المجدية للحكومة وللمواطن..فما دام هناك سعران ستبقى الأزمة وستبقى السوق السوداء.
وقد سبقنا الجار اللبناني مؤخراً إلى مثل هذا الحلّ..وسيمنح بدلات دعم مادي لـ 500.000 أسرة فقيرة..رغم أن تحرير الأسعار لديهم تكفّل بعدم حصول اختناقات.
هي فكرة للحل..بالتأكيد ليست الخيار الوحيد ونحن بانتظار أن يقنعنا أحد ما بحل أفضل، أو بالجدوى من استبقاء الطريقة الحالية التي لا يمكن بتاتاً الاستمرار بها.
ناظم عيد – موقع الخبير السوري