“اتجاهات السينما السوريّة” كتاب لـ إبراهيم الدسوقيٍ
ثلاثة أبواب توزعت على بما يقارب الـ 128 صفحة، يقدم فيها الناقد المصري الراحل إبراهيم الدسوقي، دراسة نقدية متنوعة عن السينما السورية، وبالتحديد عن الاتجاهات في السينما السورية، وذلك من خلال قراءة نقدية سينمائية، اتخذت كدليل مرشد على تلك الاتجاهات، العديد من الأفلام السورية، وكان أن صدرت تلك الدراسة النقدية في كتاب، من منشورات وزارة الثقافة، وحمل عنوان “اتجاهات السينما السورية”.
يحكي “الدسوقي” عن بداية علاقته ومعرفته بالسينما السورية، والتي لم يكن يعرف عنها شيئا، سوى تلك المُعرفة بتاريخ إنتاج سينمائي لبلد لا يُعرض له فيلما في مصر، المعرفة التي اقتصرت على فيلم “سائق الشاحنة” -1967/يوشكو فتيشين-وبعض الأفلام التي حققها كل من “نهاد ودريد”، مع العديد من الفنانين المصريين، ومنها “خياط السيدات/الرجل المناسب/عقد اللولو وغيرها”، لتأتي معرفته الفعلية بالسينما السورية كمتفرج وناقد، من خلال بعض المخرجين السينمائيين من خارج سورية! والذين حدث وأن جابوا في أفلامهم التي حققوها في سورية خارج حدودها، وفازت أفلامهم بجوائز مهمة في حقل السينما العربية، ومنهم المصري “توفيق صالح” الذي كان يعمل في سورية سبعينيات القرن، والعراقي “قيس الزبيدي” مخرج فيلم “اليازرلي”، وفيلم “كفر قاسم”، الفائز بـ “التانيت الذهبي” في مهرجان قرطاج السينمائي، لمخرجه اللبناني “برهان علوية”، الأمر الذي حرضه على الخوض في بحث أشمل، يهدف إلى قراءة تاريخ السينما المصرية والعربية، وحدث أن كان للسينما المحلية، حضورها اللافت في العديد من دراساته النقدية، وذلك لما تركته هذه السينما، من أثر هام وجد فيه أنها تخاطب العقل العربي عموما، بخطاب عروبي يردّ ويواجه أحد أخطر الخطابات التي سادت عقب كامب ديفيد.
حمل الباب الأول من الكتاب عنوان “سينما سورية/أفلام ومخرجون”، وفيه يقدم “الدسوقي”، لمجموعة من الأفلام ومنها: “اليازرلي/الحياة اليومية في سورية/المخدوعون/كفر قاسم”، وعن فيلم “قيس الزبيدي-حنا مينا”، كتب الدسوقي، وهو أحد أهم مؤسسي “جماعة الفن السابع” في مدينة الإسكندرية: (اليازرلي يُمثل اتجاها جديدا في السينما العربية خلال السبعينيات، فهو شكل سينمائي متميز، اُستخدم فيه تقنية مختلفة، يطرح من خلالها هموم مجتمع يعيش على الهامش، طفل صغير يخوض في عالم الكبار”، والفيلم يحكي عن الواقع الاجتماعي بأبعاده الحياتية وتأثير الواقع الاقتصادي على التكوين الفكري لهذا الطفل، الذي يتعرف على الحياة وقسوتها، من خلال التجارب التي يحيياها، والتي يختلط فيها الواقع بذكرياته وتصوراته الخيالية، التي تمثل ردود الفعل بداخله، تجاه الواقع الذي يعيش فيه. يرى الزبيدي أن الشكل الأدبي لهذا الفيلم الروائي، يتمسك بالكثير من مبادئ الفيلم التسجيلي، وهذه المبادئ هي من أعطت لهذا الفيلم جمالية خاصة، لذا يقترح الكاتب العمل على ترسيخ تقليد سينمائي في مجابهة الواقع، وعكس مشاكله بصدق فني.
الباب الثاني في الكتاب، جاء تحت عنوان “مخرجون واتجاهات”؛ يربط المؤلف في هذا الباب بين العديد من المخرجين السوريين، وبين اتجاهات سينمائية واقعية خاصة بهم، خاض فيها كل واحد منهم منفردا، فمثلا: ريمون بطرس/الواقعية، السيرة الذاتية، نبيل المالح/الواقعية الاجتماعية، عبد اللطيف عبد الحميد/ الواقعية الاجتماعية، سمير ذكرى/واقعية التاريخ المعاصر، ويدلل على كل اتجاه بعمل سينمائي أو أكثر لهؤلاء السينمائيين، منها: الليل، الطحالب، نسيم الروح، تراب الغربا، الكومبارس، وعن الأخير يتكلم الدسوقي بشغف واضح في مفرداته، يقول: عند المشاهدة الأولى لهذا الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي 1994، وجدت نفسي في حالة من الشجن الممتع والمرعب في آن، كيف توصل نبيل المالح إلى هذه المعالجة، وكيف صنعها بإمكانات صغيرة، لكتها في النهاية تعزز عملا سينمائيا جميلا حميما، يصل إلى القلب والعقل، ويظل يطرح الأسئلة بعد انتهاء عرضه.”
بعجز بيت شعري شهير لطرفة بن العبد “ما أشبه الليلة بالبارحة” عَنّون إبراهيم الدسوقي الباب الثالث والأخير في الكتاب، بعد أن أورد فيه مجموعة من الحوارات واللقاءات مع بعض مخرجي السينما السورية، الذين تحدثوا عن الواقع السينمائي المحلي والعربي، ووضعوا وجهات نظر مختلفة تخص نهضة هذا القطاع العام، والعمل على تنشيط ما يجمعه في بلدان عربية أخرى مثل تونس والمغرب القاهرة دمشق، وذلك بهدف خلق اتحاد سينمائي عربي، يكون له ثقله في المشهد السينمائي العالمي.
تمّام علي بركات