استسهال في انجاز مشاريع التخرج ورسائل الماجستير والدكتوراه.. ما هكذا نقلع بالبحث العلمي!
- ما صحة وجود مكاتب خاصة لكتابة المشاريع من الألف إلى الياء!!
البعث ميديا- غسان فطوم
لا يخفى على أهل الشأن التعليمي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وفي جامعاتنا أن هناك استسهال وشيء من اللامبالاة في انجاز مشاريع التخرج وبعض رسائل الماجستير وربما درجة الدكتوراه في عدد من الكليات الجامعية سواء في الجامعات الحكومية أو الخاصة، وما يزيد الطين بلّة أن بعض لجان التحكيم قد لا تكون موفقة بالحكم على الرسالة، بمعنى قد يحدث نوع من المجاملة للطالب أو الأستاذ المشرف بغض النظر عن جودة الرسالة!
لا يبذلون جهداً!!
باعتراف الدكتور علي ميا – جامعة تشرين، أن 90بالمائه من الطلاب في المراحل الجامعية الأولى والدراسات العليا لا يبذلون إلا جهداً قليلاً، مشيراً إلى وجود مكاتب متعاقدة أو متفقة مع بعض المتخصصين بكتابة المشاريع من الألف إلى الياء، مؤكداً من خلال خبرته أن عناوين ومواضيع أغلب المشاريع مكررة ولا معلومات جديدة فيها سوى العنوان، وكل ذلك يحدث مقابل مبالغ مالية كبيرة وبالتالي لا يستفيد الطالب منها ولا تجعله مؤهلا كونه حصل عليها جاهزة ولم يبذل فيها أي جهد سوى الاطلاع عليها وحفظ بعض الفقرات منها بغية عرضها أو الإجابة على بعض الأسئلة، ويضيف الدكتور ميا: للأسف في كثير من الأحيان تكون إجابة الطالب “أشكر لجنة التحكيم على ملاحظاتها القيمة ونعدكم بأن نقوم بأخذها بالاعتبار عند إجراء التعديلات”، وللأمانة قلة قليلة من الطلبة ممن يقومون فعلاَ بإجراء التعديلات المطلوبة منه بالكامل .
العمل بالتشاركية
الدكتور ميّا اقترح صيغة تشاركية بين الجامعة ومؤسسات الدولة والقطاع الخاص إن أردنا أن يكون لمشاريع التخرج ورسائل الماجستير والدكتوراه دوراً في التنمية المستدامة، وذلك من خلال حل مشكلات المجتمع ومعضلاته الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والسياسية والقانونية والبيئية والثقافية، عن طريق وضع الخطط الدرسية للجامعات حتى لا تكون بعيدة عن الواقع العملي بل منبثقة منه كي تساهم في إعداد وتأهيل خريجين أكفياء ومؤهلين للنزول فورا إلى سوق العمل وتلبية احتياجاته، كما يجب أن تكون كل مشاريع التخرج ورسائل الماجستير تتناول مواضيع وقضايا تساهم في معالجة مشاكل موجودة في المجتمع ومؤسساته وتكون مموله من قبل تلك المؤسسات ومشرفة عليها وان تأخذ بالمقترحات الواردة فيها.
غير مقبول!!
وبيّن الدكتور ميّا أن ما يجري حاليا غير مقبول، ولا يمت للبحث العلمي بصلة، فاليوم لا يخفى على أحد أن الطالب يقوم هو أو مشرفه أو المكاتب المتخصصة بإجراء المشاريع والرسائل بالاعتماد على سرقة واقتباس أفكار ومعلومات من الانترنت بطريقة النسخ واللصق ويقومون بإجراء بعض التعديلات عليها، والمؤسف أن تلك المشاريع تناقش مواضيع تتعلق بحل مشاكل نظريه أو افتراضيه حدثت في اليابان أو ألمانيا أو مصر، وفي حال سلط المشروع أو الرسالة الضوء على مشكلة محلية موجودة في شركة معينة نجد أن الشركة محل البحث لا تقدم أية معلومات صحيحة للباحث ولا تتعاون معه ولا تقدم له أي معونة لا مادية ولا معنوية، بل أحيانا قد تمنع الباحث من الدخول إليها خوفاً من عرض معلومات أو مشاكل قد تُعرض الإدارة للمساءلة وبالتالي تبقى الدراسة نظريه وغير واقعيه ولا تساهم في تقديم أي شيء مفيد للمجتمع بل هي مضيعه للوقت ومرهقة ماديا للطالب وأهله!
هل من يهتم؟
بحسب الدكتور ميا أن الأوان قد حان لتتحرك الجهات صاحبة القرار للعمل على ربط الجامعات بالمجتمع كي تكون مفيدة وفعالة، مؤكداً أن جامعاتنا ومعظم كوادرها مؤهلين للقيام بذلك وأكثر في حال دعمهم مادياً ومعنوياً وتشجيعهم والسماح لهم بحضور المؤتمرات العلمية العالمية وتمويل أبحاثهم، متسائلاً: لماذا كل هذا التهميش لكفاءتنا الشابة وخبراتنا الأكاديمية؟!.
بشفافية واختصار!
الدكتور سامر مصطفى عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق قالها باختصار: بكل بشفافية وباختصار نعم أغلب مشاريع التخرج في المرحلة الجامعية الأولى مكررة وليس لها أية فائدة علمية للطالب ولا للمجتمع، متسائلاً: ماذا ننتظر من طالب قام باقتباس مشروعة فكرةً ومضموناً من الانترنت – إلا ما ندر- فيما الجزء العملي يعتمد على الاستبيان والتحليل من قبل مستخدم إحصائي؟!
وحتى نتخلص من هذه المشكلة برأي الدكتور مصطفى، قال: على الجامعات ومجالس الكليات العمل لجهة وضع عناوين جديدة والطلب من الطالب إحضار أرقام فعلية من الجهة التي يدرسها ثم تقديم للنتائج ذات الجدوى والمنفعة في عملية التنمية، وليس لمجرد أخذ علامة ووضع المشروع في أرشيف المكتبة!.
نعم يوجد ثغرات
الدكتور أيمن ديوب أستاذ الإدارة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أكد وجود مشاريع تخرج ورسائل وأطروحات ماجستير ودكتوراه ذات قيمة علمية كبيرة بجانبها النظري والعملي، مشيراً إلى أن الغاية من أي بحث هو تعليم الطالب كيف يبحث عن الإشكاليات ومعرفة الحلول لها أو البدائل المناسبة، بمعنى أن البحث هو نوع من التدريب العملي والميداني عبر منهجية علمية للبحث.
الدكتور ديوب لم ينفِ وجود ثغرات واضحة فيما يخص مشاريع التخرج، كتكرار المواضيع والعناوين وحتى في رسائل الماجستير والدكتوراه، وبرأيه أن لا مشكلة في ذلك، فالمهم هو كيف يستخدم الطالب المعلومات الواردة في بحثه.
وألمح الدكتور ديوب إلى وجود مجاملات من قبل بعض لجان التحكيم، لجهة وضع درجات عالية قد لا تستحقها بعض الرسائل قياساً بما تتضمنه من معلومات، وبيّن أن الدرجة قد تعطى في بعض الأحيان تكريماً للأستاذ المشرف وليس للطالب، ولفت إلى أن جامعة دمشق انتبهت مؤخراً لوجود مثل هذا الخلل، كما أنها طلبت التشديد في تقييم الرسائل وعدم تسجيل أي بحث إن لم يكن ضمن المواصفات التي تحقق جدوى في حال استثماره، ونوه إلى أن الجامعة قامت مؤخراً بسحب أكثر من شهادة دكتوراه وماجستير عندما وجدت أن نسبة الاستلال أكثر من 30%.
المهم شهادة كرتونية!
بدوره أكد الدكتور حسن حزوري – جامعة حلب أن معظم رسائل الماجستير والدكتوراه في سورية تُمنح للحصول على الدرجة، وعلى الشهادة الكرتونية، ونادراً ما يستفاد منها في الواقع العملي، وبيّن حزوري أنه من النادر أن نجد هناك اهتمام من الجهات المعنية التي يهمها الموضوع أو التي يمكن أن تستفيد منه، وأن تسعى للتأكد من نتائج البحث العلمي وتطبيقه عملياً، وخاصة أن كان في المجال الطبي أو الهندسي أو تضمن براءة اختراع أو غيرها.
وبخصوص كيفية جعل مشاريع التخرج ذات جدوى علمية أو اقتصادية، دعا الدكتور حزوري لإيجاد ربط وتكامل بين وزارة التعليم العالي من جهة والجهات التي تعاني من مشاكل، لجهة تحديد المشاكل البحثية التي يجب على الجامعات أن تسعى لإيجاد حلول لها خدمة للمجتمع أو للجهات الطالبة، وأن لا تكون المواضيع البحثية ومشاكلها، افتراضية، من تخيل الأقسام والكليات، بل يجب أن يكون هناك في كل قسم، عدد محدد من المشاكل البحثية، ومحدد من هي الجهة الطالبة، وما هو الهدف من معالجتها ، وما هي تكاليفها المالية، وما هي طرق التمويل، وأن يحضر المناقشة النهائية ممثل عن الجهة طالبة البحث، وبالتالي لا يسجل أي بحث سواء كان رسالة ماجستير أو دكتوراه بدون وجوده ضمن المواضيع المطلوب إيجاب حل لها، وبالنسبة لمشاريع التخرج في المرحلة الجامعية الأولى يمكن أن ينطبق عليها نفس الشيء، ولكن بشكل مرن أكثر، لجهة السماح للطالب إظهار مهاراته العلمية وبصماته الإبداعية، بما ينسجم مع مدة إعداد المشروع وإمكانية تطبيقه ولو بالحدود الدنيا.
دون جدوى ومنفعة!
الدكتور قصي عجيب – قسم المكتبات بجامعة دمشق – عبّر عن أسفه لوجود الكثير من الأبحاث على مستوى المرحلة الجامعية الأولى أو الدراسات العليا يقوم أصحابها بالنقل من المصادر دون توظيف المعلومات المنقولة جيداً، وهذا برأيه يؤثر سلبا على سوية البحث العلمي وجعله دون جدوى أو منفعة .
وأشار الدكتور عجيب إلى أن الأبحاث الأصيلة تتكون من جانبين، نظري وتطبيقي، موضحاً أن الأبحاث التي تتضمن جانب تطبيقي تكون بمأمن عن التكرار لأنها جهد خالص للباحث وهذا الجانب هو الذي يرتبط بحاجات المجتمع والعمل على تذليلها من خلال البحث العلمي, ويكون ذلك أيضا بتطبيق شعار ربط الجامعة بالمجتمع و تحقيق التنمية المستدامة من خلال تحديد مشاكل واحتياجات المجتمع الاقتصادية و الاجتماعية والتقنية و العلمية ومعالجتها ووضع الحلول لها من خلال البحث العلمي الرصين.
وحتى تكون مشاريع التخرج أو رسائل الماجستير والدكتوراه ذات قيمة أو جدوى اقتصادية شدد الدكتور عجيب على تطبيق منهج العملية وهو ما يتعلق (بمدخلات البحث ومعالجته وتوظيف مخرجاته) لنصل بالنتيجة إلى بحث علمي حقيقي لا لمجرد الحصول على ترقية علمية!.
ويضيف الدكتور عجيب : يجب أن يتم التركيز على المدخلات التي تكمن في المعرفة التي حصل عليها الطالب خلال سنوات دراسته والتطبيقات العملية التي قام بها لصقل هذه المعرفة إضافة إلى وجود إشراف جيد والأكثر من ذلك هو المعرفة الحقيقة بخطوات البحث العلمي وأولها تحديد مشكلة البحث لأنه بدون مشكلة حقيقية لا يوجد بحث فالمشكلة هي ملاحظة تكرر حدوثها حتى أصبحت ظاهرة استوجبت الدراسة للوقوف على الأسباب واقتراح الحلول المناسبة.
متى نصحو؟!
بالمختصر، مشاريع التخرج في المرحلة الجامعية الأولى ومرحلة الدراسات العليا بحاجة إلى إعادة نظر لجهة اختيار المواضيع التي تحاكي واقعنا بكل ما فيه من مشكلات وإشكاليات، والأهم هو الشفافية والعدالة في التحكيم، فالمعدلات العالية التي قد تصل لـ 100% باتت تثير العجب، وترسم أكثر من إشارة استفهام حول استمرار الاستسهال في انجاز الأبحاث الذي وصل إلى درجة الاستهتار، وهذا بلا شك يتناقض تماماً مع أهداف البحث العلمي ودوره في التنمية المستدامة، فمتى نصحو؟!!