من دلالات قمّة الأسد – بوتين لا لتغيير (السلوك) فهـــو (الهويّة)
د. عبد اللطيف عمران
لم تكتسب قمة الأسد بوتين أمس أهميتها (فقط) من العبارات الرفيعة المتبادلة بين السيدين الرئيسين: التهنئة بعيد ميلاد الرئيس الأسد – وبفوزه بالانتخابات – وبتأكيد أن الناس يربطون اسم سيادته (فخامة الرئيس المحترم) بإعادة الحياة الطبيعية إلى سورية… فلعلها من اللحظات النادرة التي وصل التطابق فيها في المواقف بين البلدين والرئيسين إلى هذه الدرجة من العمق إذ يكاد يكون البيانان الرئاسيان متطابقين. فمن المتناقل بين المتابعين أن جلسة المباحثات المغلقة استمرت 90 دقيقة، وبعدها انضم إليها وزيرا الخارجية السوري، والدفاع الروسي لمدة 45 دقيقة إضافية. كما تابعت اللجنة الحكومية السورية الروسية بحث وإقرار الاتفاقات والمشاريع المشتركة في مجالات الزراعة والصناعة والطاقة وزيادة التبادل التجاري.
في هذه القمة التي أتت بعد الانتخابات الرئاسية السورية، وبعد تحرير درعا من وطأة الإرهاب في سياق تطهير وتحرير باقي الأراضي السورية، أكد السيد الرئيس بشار الأسد على عدد من المسائل المهمّة واللافتة منها:
إن سورية بمحاربتها للإرهاب قامت بحماية مواطنين أبرياء كُثر في هذا العالم الذي لا يقف فيه الإرهاب عند الحدود السياسية – هناك دول تضع عوائق لتحرير باقي الأراضي، ولمحاربة الإرهاب، ولإطلاق العملية السياسية، فتدعم الإرهابيين، وتفرض حصاراً على الشعب السوري (نصِفه بأنه: غير إنساني – وغير أخلاقي – وغير قانوني) – ليس لهذه الدول مصلحة في استقرار سورية.
تكتسب هذه القمة أهميتها أيضاً من التأكيد والتوضيح أن سورية قائداً وشعباً وجيشاً دولة ذات حضور، وذات سيادة، وذات قدرة على مواصلة صمودها وعلى تعزيز وتطوير نهجها وعملها على هزيمة الإرهاب وداعميه، وتحرير أرضها، وبناء مؤسساتها التي دمّرها العدوان عليها، وهي لن تتراجع عن استراتيجيتها التقليدية والمستمرة (سلوكها) في توطيد دورها على المستويات المحليّة والإقليمية والدولية من خلال هوية واضحة للشعب وللدولة، وللنظام السياسي الذي تعمل قوى الشر والهيمنة لتغيير هذا (السلوك) الذي يتشدّق أعداؤنا عن هدفهم بتغييره، وبضرورة هذا الهدف بالنسبة إليهم، هذا السلوك راسخ منذ القرن الماضي، وسيستمر لأنه هو: الهوية الوطنية والعروبية – والوعي الأصيل – والانتماء الطوعي.
فقد أتت هذه القمّة في سياق دعم هذا (السلوك) ودعم هذه الهوية في مواجهة العدوان المستمر عليهما، عدوان تواصله الإدارة الأمريكية وذيولها الصهيوأطلسية، ولعل من ملامح هذا العدوان وركائزه الخبيثة والضعيفة في آن معاً ما نجده مثالاً في حوار أجراه جوي هود مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبوع الماضي عبّر فيه قلق إدارته وذيولها من هذا السلوك، فقال، من بعض ما قال: (إذا كان هناك من نهاية مستدامة للصراع في سورية فعلى «نظام الأسد» تغيير سلوكه، ولن نفكّر في تطوير علاقاتنا الدبلوماسيّة مع سورية حتى نرى تغييراً كبيراً في هذا السلوك… فقانون قيصر لحماية المدنيين في سورية… لقد رأينا ولاحظنا الفوائد التي أطلقتها اتفاقات التطبيع وحثثنا عليه دول المنطقة… فعندما يفكّرون في التطبيع فيكون ذلك لصالح الشعب السوري، ودون ذلك نحذّر الدول الراغبة في تطبيع العلاقات مع الأسد قبل تغيير سلوكه) !!؟. فهل هناك أوقح من هكذا غطرسة وتفاهة. وبالمقابل خيبة أمل.
إن الصهيوأطلسية بزعامة الإدارة الأمريكية هي التي يجب أن تعي ضرورة تغيير (سلوكها) الذي وصفه الرئيس الأسد في هذه القمّة بأنه غير إنساني وغير أخلاقي وغير قانوني، وتنبع ضرورة التغيير هذه من وعي ونزوع رأي عام واسع متصاعد لاقتراب أفول عصر الهيمنة والتفرّد وأحادية القطب، فهناك نظام عالمي بازغ وواعد تسهم في صياغته القوى الحيّة الراغبة في تعزيز السلم والتعاون والاستقرار الإقليمي والدولي وهي تتعاون فيما بينها لمواصلة صمودها في وجه عدوان الصهيوأطلسية على العالم، وشاءت الأقدار أن تكون الهويّة الوطنية السورية برعاية الرئيس الأسد وحرصه عليها وصموده في حمايتها وتعزيزها، قوةً ومركزاً محترماً في استراتيجية هذه القوى الحيّة الكبرى المتزايد عددها.
هذا رأي يتسع صداه وحضوره في المجتمع الدولي ونجد تأييداً واسعاً له حتى في مجتمعات المركزية الغربية من الأصوات الحرّة عند كثير من الأكاديميين والبرلمانيين والعسكريين والدبلوماسيين – خاصة المتقاعدين منهم وذلك لأسباب معروفة – فها نحن (مثالاً) نقرأ حديثاً للسيناتور والضابط الأمريكي ريتشارد بلاك أشاد فيه بصمود سورية، وهنّأها بالانتخابات الرئاسية، وندّد بالسياسية الأمريكية تجاهها فيقول في ندوة بمعهد تشيلر العالمي في 21 آذار الماضي: (أشعر بالذهول من فاحشة العدوان الأمريكي على سورية التي كانت قبل العدوان عليها نموذجاً للدولة المتقدّمة في المنطقة… وهذا جزء من مسيرة الغزوة الأمريكية التي تمتد عبر الكرة الأرضية… فقد تعلّمنا أن نكره الرئيس الأسد وأن نعمل على زعزعة استقرار سورية فدعمنا الإرهابيين وسرقنا النفط والغاز والمزروعات، يجب أن يتوقف هذا الجنون).
إذن، أي سلوك يجب أن يتغيّر؟ الجواب في صمودنا ورسوخ علاقاتنا مع الحلفاء والأصدقاء الشرفاء والأقوياء في هذا العالم الذي يتعزّز دورهم ودورنا فيه، فلا ينكر عاقل قيمة صمودنا في تشكّله القادم.
إنّ سلوكنا السياسي بقيادة الرئيس الأسد هو هويتنا الوطنية والعروبية والأخلاقية.