منصات للتواصل أم إمبراطوريات عابرة للدول
البعث ميديا || سنان حسن
يبدو أن التوقف المؤقت الذي طرأ على بعض منصات التواصل الاجتماعي “فيسبوك _ واتس أب _ انستغرام” في كافة أنحاء العالم، وما سببه من شلل تام في تداول الأخبار والمعلومات عبر هذه المنصات ينذر بأحداث جديدة وخطيرة ربما غير متوقعة سواء في اتهام دول بعينها بأنها وراء هذا التوقف “هجمات سبرانية” أو ما تلاه من تبعات اقتصادية على بورصات الأسواق الإلكترونية حول العالم والتي قدرت خسائرها في ساعات التوقف ما يقارب ترليون دولار تقريباً وحده مالك المجموعة خسر 7 مليار دولار..
ولعل ما جاء في بيان البيت الأبيض الذي صدر عقب ذلك من “أن منصات التواصل أثبتت أن لديها قوة لا تستطيع السيطرة عليها، وأن هذه المواقع بحاجة لإصلاحات وللسيطرة عليها بشكل أقوى من القوانين الداخلية”، ما يؤكد من جديد أن لهذه المنصات أدواراً باتت تتجاوز الدول والأنظمة والقوانين الناظمة لها.
خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة سجلت منصات التواصل الاجتماعي أحداث غير مسبوقة وغير مألوفة أقله في أمريكا التي تتغنى يومياً بالديمقراطية وحرية التعبير وما إلى ذلك من سياقات لتبرير سياساتها، أحداث تمثلت في التدخل مباشرة في الانتخابات تحت ذريعة خرق قوانين المنصات وبث كلام متطرف وخطابات تحرض على العنف حيث أوقفت فيسبوك وتويتر حسابات الرئيس السابق دونالد ترامب ومنعته من استخدامها خلال حملته الرئاسية..
إجراء لم تستطع حتى القوانين الأمريكية أن ثني المنصات عنه.. وهنا برز وبقوة تأثير هذه المنصات وحتى عدم قدرة القوانين الأمريكية على التدخل في عملها، وكأنها أمست امبراطوريات داخل الدولة لا يمكن لأحد المس بها أو الاقتراب منها.
في حالتنا السورية وفي الكثير من الدول التي عصف بها ما يسمى بالربيع العربي استخدمت هذه المنصات لإحداث الفوضى ودعم الخارجين عن القانون والتضليل الإعلامي والذي استخدمته الدول الغربية للتدخل والعبث بشؤون تلك الدول ” تنسيقات المسلحين” على فيسبوك مثال..
حيث شكلت تلك المنصات والمنشورات عليها أداة خطيرة جداً لقلب أنظمة الحكم القائمة تحت مسميات “ثورة” و”انتفاصة” وفي هذا عمل موصوف أولاً للتدخل في شؤون الدول واعتداء صارخ على سيادتها، وثانياً هو ضرب لكل المفاهيم والقيم في تلك المجتمعات من بوابة تعريفات جديدة بعيدة كل البعد عنها من بوابة حرية التعبير التي يتم تطبيقها بازدواجية لا تخدم إلا تخريب تلك الدول ونشر الفوضى فيها.
وهنا لا يمكن إلا وأن نسلط الضوء على الدور الذي لعبته هذه المنصات للترويج لتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها دا.عش الذي استطاع بفضلها استقطاب عدد كبير من الإرهابيين حول العالم.. حيث تؤكد احصائيات استخدام داعش لأكثر من ٤٥ الف حساب على توتير وحدها لهذه الغاية واستخدام أحدث السيرفرات المخدمة لعمله.. طبعا دون أن تكلف هذه المنصات نفسها عناء حظر المنشورات التي تبثها والتي كانت بأغلبها عنف وترهيب.. في حين أنها توقف آلاف الحسابات الأخرى التي تنتقد “إسرائيل” أو تنشر صور لقادة محور المقاومة..
في ضوء ذلك.. يمكن القول أن ما حدث اليوم مع منصات التواصل يدفع إلى التفكير في الأهداف من وراء ما يحصل، فالعالم بات أسير هذه المنصات وعملها والأخبار الواردة من خلالها حتى المؤسسات الإعلامية العملاقة باتت عاجزة عن مقارعتها.. فهل العالم قادر بالفعل على العمل في ظل توقفها؟؟!!.
لقد ترك غياب بعض منصات التواصل الاجتماعي لساعات فراغا كبيرا في التعاطي مع الأخبار في العالم.. هذا يؤكد من جديد مدى التأثير الكبير الذي تحدثه هذه المنصات حول العالم وفيه، واليوم تعكف وزارة الإعلام بمؤسساتها على إعداد قانون جديد للإعلام يراعي متطلبات المرحلة الجديدة وتطوراتها وما حدث يدفعها بأن تلحظ وبشكل جوهري آليات تنظيم استخدام هذه المنصات والاستفادة منها بطريقة تخدم العمل الإعلامي بعيدا عن المعالجات السابقة وبما يخدم المصلحة الوطنية قبل أي شيء آخر.