ثقافة وفن

جيفارا ..54 عاما على رحيل المناضل الثوري الكبير

واحدا من التواريخ المضيئة على جبين الإنسانية، يحمله اليوم بغرته رغم قساوة الحدث، فمقتل إنسان عموما ليس إلا حدثا مأساويا، إلا أن مقتل “تشي جيفارا” كان مأساة إنسانية، وصار نبراسا مشتعلا لكل الأحرار في العالم، خصوصا وأن التاريخ النضالي للرجل المولود تحت سماء الارجنتين، تكلل بما سعى إليه في حياته الثورية الطالع والطريق والنهاية.

في التاسع من تشرين عام 1967، ستتحول صورة الرجل المشرق المحيا، بابتسامته الخضراء، إلى رمز عالمي من رموز النضال لتحقيق العدالة الإنسانية والاجتماعية، والخبر “الفجائعي” الذي كان من المفروض أن يريح عتاة الرأسمالية العالمية، بموت أحد أشهر الذين حاربوا الرأسمالية في عقر دارها، واذلوها بعد أن حولوا طمأنينة بالها إلى حلقة نار ملتهبة، طاف العالم كله، ليصبح “جيفارا ايقونة نضال وكفاح لا يخف بريقها، ولتصبح صورته الشخصية، هي الأكثر شهرة في تاريخ الكفاح الإنساني ضد لصوص الدم والحياة والفكر.

مئات الأغاني العالمية وبمختلف اللهجات، غنت الرجل، لتبقى ذكراه نابضة في كل مكان، مئات الملايين من القمصان القطنية، حملت صورة وجهه وصارت هي الرائجة بين جيل الشباب، والأهم أن ما تركه من إرث نضالي عريق، طاف كل العالم، وحطّ في قلوب الناس وفي وجدانهم، فالطبيب الذي انتصر في ميادين الكفاح المختلفة في قارة أمريكا اللاتينية، صار وزيرا في حكومة “كاسترو” بعد أن نجحا في الثورة التي قادها ضد حكومة الديكتاتور الكوبي ” فولغينسيو باتيستا” المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، عرابة الرأسمالية العالمية، إلا أن المنصب لم يعنِ له، إلا في كونه سيسهل عليه التواصل مع حركات التحرر في العالم ودعمها، ولأنه صادق في ثورته على الظلم، ترك المنصب وذهب ليضع نفسه في خدمة ثورة أخرى ستندلع ضد ظلم آخر.

عام 1959 سيكون عاما مفصليا في تاريخ القضية الفلسطينية، بعد أن قام “جيفارا” بزيارة فلسطين المحتلة، بدعوة من الرئيس المصري الراحل “جمال عبد الناصر” الزيارة التي كان لها أن أشعلت لهيبا عالميا حول القضية الفلسطينية، وأضاءت عالميا أيضا، على الفظاعات والمجازر الدمية، التي ارتكبها ويرتكبها الصهاينة بحق الفلسطينيين والعرب.
اعتبر جيفارا من أكثر مئة شخصية عالمية مؤثرة في القرن العشرين، صُنعت عنه مئات الأفلام السينمائية، كُتبت فيه آلاف الأبحاث والمقالات والكتب، غناه الصغير قبل الكبير، أحبه الناس في كل مكان، وصار من الرموز الإنسانية المحرضة على اقتلاع الظلم بالنار، لتطهير العالم من دنس الطغاة، ورجس الاستبداد، ولم يزل الرجل واحدا من أهم رموز النضال في العالم، ضد الظلم أينما حلّ.

تاريخ وحياة تشي جيفارا غنية وحافلة، قيل فيها الكثير، وكُتب عنها الكثير، حتى أن أبناء وأحقاد من حاربوه وقتلوه، تغنوا به بل ومجدوه، وفي النهاية مات كل من تأمر عليه، وصار هو ايقونة عالمية يزداد بريقها لمعانا بمضي الأيام وتعاقب السنين والحقب.

تمّام علي بركات