ما الجديد في: الوطن والمواطنة ؟
د. عبد اللطيف عمران
من الآخر: الجديد يتمثّل في استغلال ظاهرة الاستيطان للوضع الإقليمي والدولي الذي دفع بالأمس رئيس وزراء كيان الاحتلال الصهيوني بإعلان زيادة عدد المستوطنين في الجولان السوري المحتل.
لعلّ الوطن العربي في أقطاره جميعاً هو في عالم اليوم الأكثر معاناة ومواجهة للتحدّيات الطارئة التي تعصف بالمفاهيم التي كانت مستقرّة سابقاً في أذهان الجيل السابق لتعريف الوطن والمواطنة، خاصّةً مع بروز توجّهات واضحة لتغييب كلمتي الوطن والقطر، وحصرهما بالإحالة فقط إلى المعجم القومي الكهل، فبدأت تستقرّ عبارة: العالم العربي. فهناك اليوم تغيّرات واضحة في طبيعة (العالم المعاصر) تختلف تماماً عن (العالم الحديث) أثّرت في المفهوم الجغرافي للوطن، والقانوني للمواطنة، والعاطفي للوطنيّة، ومن أبرز أسباب هذه التغيّرات المعاصرة:
- أطماع القطب الواحد غير المشروعة والمقترنة بنزوع الهيمنة والتفرّد والجنوح نحو الاستبداد /من ليس معنا فهو ضدّنا/ وما أفرز ذلك من تقدّم وتطوّر البنى الاجتماعيّة الحاضنة للفكر الليبرالي، وتجاوز هذا النزوع للحدود الوطنيّة، والقيميّة، مع استغلال لئيم لظاهرة العولمة.
- الأثر الكبير لما وفّرته ثورة الاتصالات والتواصل والتكنولوجيا الرقميّة على مفهومي الوطن والمواطنة اللذين شهدا تغيّراً واضحاً وتحدّيات جديدة ومتسارعة ركّزت على استقطاب طارىء ومغاير لجيل الشباب، ما شجّع شرائح واسعةً للهروب من المجتمع والتمرّد على الدولة جرّاء طغيان مفهوم المواطنة على حساب الوطنيّة (الوطن) وبسبب أثر التغيّرات الدولية على هذين المفهومين، فكان لعولمة الاقتصاد والسياسة والاتصالات أثرٌ خطيرٌ في تآكل مفهوم الوطن والمواطنة.
- الأثر الخطير لموجة التطرّف والتكفير والإرهاب في تشتيت مفهومي الوطن والمواطنة، وفي التشكيك فيهما، وما نجم عنه من وجود جماعات بل عصابات مستقرّة ووافدة لا تعترف بالدولة الوطنيّة ولا بحدودها، لا بالوطن ولا بالمواطنة، ولا بالوطنيّة، فكانت بنزوعها نحو /التكفير والهجرة/ قريبة بل متبادلة الدعم لمشروع الاستيطان الصهيوني، فتشابها بتدفّق قطعان المستوطنين من أربع جهات الأرض لتجاوز الحدود الوطنيّة، وصار الجهاديون جوّالين عابرين للحدود تدعمهم صواريخ القطب الواحد العابرة هي أيضاً… وهذا ما أسماه الغزو الإعلامي والثقافي البغيض: الربيع العربي؟!.
في هذا السياق، لا بد من التأكيد على أنّنا بحاجة ماسّة إلى إعادة النظر في مناهج تدريس التربيّة الوطنيّة في المدارس، والثقافة القوميّة في المعاهد والجامعات، من خلال التركيز على الطارىء الجديد في عالم اليوم على مفهومي الوطن والمواطنة باعتبارهما صارا مصطلحين غير مستقرّين.
فلم يعد الوطن فقط هو الأرض التي ينشأ عليها المواطن ويتوارثها كواقع جغرافي مادي محدّد، وتاريخي أيضاً غير ثابت عبر العصور. بل هو إضافة إلى ذلك، العادات والتقاليد، والهوية والالتزام والانتماء والولاء. وهو ليس المواطنة فقط بل الوطنيّة بالدرجة الأولى.
وكذلك الأمر في مصطلح المواطنة وتطوّر مفهومها، وتعدد قوانينها وتباينها بين دولة وأخرى، والاختلاف أو التشابه بين المواطنة والوطنيّة، فالمواطنة حقوق وواجبات، والوطنيّة ولاء وانتماء تُفرض معها الواجبات على المواطن حين يُهاجر إلى بلاد أخرى غير وطنه الأصلي، ومن هنا نَجمَ التفريق أو التطابق في دول الغرب بين الجنسيّة والمواطنة ولا سيما من جهة (حق الحماية).
لذلك ستعاني في وطننا العربي مفاهيم الوطن والمواطنة والوطنيّة من تداخل وتشابك واشتباك أيضاً، ما سيفرض تبعات كبرى على برامج الإسلام السياسي الذي يجتهد اليوم كثيراً للخروج من مآزقه المتكرّرة في هذا الميدان، وليس بعيداً كثيراً عن هذه المعاناة نظريةً وممارسة الفكر – المشروع – القومي العربي.
في هذه المعمعة يستغلّ الاستيطان كل الإشكالات ولا سيما: موجة التطرّف والتكفير – الهجرة واللجوء – التطبيع، فيتناسى ومعه كثيرون ولا سيما من الأشقّاء للأسف مثلاً قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وقرار مجلس الأمن 446 لعام 1979 الذي اعتبر الأحياء الصهيونية في القدس الشرقية، والمجتمعات المحليّة الصهيونية في مرتفعات الجولان غير قانونية ولا يعترف بضمّها.
بتعزيز التربية الوطنيّة والثقافة القوميّة و(تحديثهما بالضرورة)، وكذلك مفهوم الوطن والمواطنة والوطنيّة نهزم أشكال الاحتلال والاستيطان كافةً.