شائعات الزيادة أو المنحة على الرواتب.. جرعة إسعافية أم حقنة تخدير؟!
يرتفع منسوب التفاؤل في أزمان الزنقات والاختناقات المعيشية لجرعة إسعافية تدعم حالة الاحتضار التي أصابت ثنائية “الراتب والمعاش” في مقتل، لتتجه أنظار الشريحة القابضة على جمر انتظار أواخر الشهور لتلقي القبض على آلاف من الليرات بالكاد تسد رمق الأيام العشرة الأولى، نحو آمال عريضة، مفادها رشوحات وتسريبات من هنا وهناك، بأن زيادة أو منحة قريبة المنال ستطال أصحاب الدخول الثابتة في زمن تحركت فيه أسعار وقيم السلع والمواد أشواطاً كبيرة، جعلت الهوة شاسعة والمسافة غير مجسورة وخواطر الإمكانيات مكسورة.
في سياق الكلام عن الرواتب ومواجعها نحن أمام أكثر من 2،5 مليون موظف ومتقاعد، ينظر إليهم أقطاب السوق على أنهم البقرة الحلوب التي من خلالها تضخ الدولة ملياراتها في السوق، حيث تدبّ الحركة وتنتعش التجارة وينمو البيع والشراء، هذا إذا كنا من أصحاب النوايا البيضاء بحق الصناع والتجار والباعة، في حين أن الواقع ورصيد التجارب يقدم نموذجاً من الطمع والجشع والاستغلال الأعمى الذي يسحب دسم وخير أي تحريك حكومي على الرواتب، ما يجعل مفعول الزيادة غير موجود بالأصل وكأن شيئاً لم يكن، وهنا يكثر الرافضون والمتحفظون على فكرة الزيادة أو المنحة والعطية على الرواتب.
ومع سريان الشائعات التي يجد فيها المواطن ضالته المشروعة وغير المحاسب عليها قانونياً، ينطلق حراك الرأي العام “الهادئ والساكن” وتوظيف عنصر الأقاويل والخبريات والضجيج الفيسبوكي والصخب الناعم عبر التهامس بأنبلاج “نقلاً عن صانع قرار أو مسؤول كبير مغمور الهوية”، بأن القرار وراء الباب، وما أكثر الشطار الذين يرون في الخطوة جرعة أمل وبريق سعادة في عيون الناس المبشرين بجنة الزيادة المبلوعة مسبقاً – كما أسلفنا – في وقت يعتبرها محللون بأنها لا تعدو عن كونها “حقنة تخدير” تريح الأعصاب المشدودة والمتوترة وتهدئ من احتقان الكثيرين ممن سرقت منهم الأحوال المعيشية الصعبة “طولة بالهم”، أما العازفون على وتر التسويق لهذه الحكومة أو تلك أو الوزير الفلاني، فخباثتهم لها آذان صاغية ومحل من الإعراب في جدلية التلميع والدعاية لإنجاز من وزن الدعم المالي الذي لن يكفي حتى ولو كان مفتوح السقف، فكما يرى اقتصاديون بأنها حتى لو كانت بمقدار مائة في المائة لن تكون ذات جدوى أيضاً، بل يجب أن تكون عشرة أضعاف راتب المواطن حتى تفي بالغرض في ظل الارتفاع الكبير للأسعار.
وكما يقول أحدهم: إن كل زيادة أقل من ذلك غير مجدية، وفي حال تمت زيادة الراتب لـ40 أو 50 في المائة، ستؤدي إلى ارتفاع أسعار بحدود 60 إلى 70 في المائة، «وبالتالي ثمة دعوة ألا يزيدوا الراتب، إلا إذا زادت بنسبة عشرة أضعاف مع تثبيت الأسعار».
بكل الأحوال لا يمكن التجني على مجريات الخطوات التي اتخذت في مضمار إصلاح ذات بين الرواتب والأجور، فما اتخذ وحقق مهم، ولكنه غير قابل للصرف أمام فجور الأسواق وفلتان وحش تثبيت الأسعار من يدي الحكومة لأسباب منها جوهري وصميمي وآخر له ارتباط بالظروف الموضوعية والوضع الكلي لاقتصاد بات على كف عفريت من كثرة اللعنات التي أصابته في الصميم، ومع ذلك لا يمكن لموظف مهما أصابه من حنق وغيظ الحال أن يرفض أو يتدلل على إضافة مالية مهما تكن قليلة، لأن الجيب عطشى لأي مبلغ “من غامض علمه”، لكن المشكلة التي لطالما تشغل بال الشارع هي مع باقي فئات المجتمع من غير الموظفين “عمال وأصحاب المهن الحرة”، إذ كيف سيكون المنعكس عليهم وهؤلاء هم النسبة الأكبر التي تصاب بالحنق لسماع كلمة زيادة على الراتب، ومع بعضهم شيء من الحق في توجيه الملامة لصناع السياسات والقرارات لجهة ضرورة أن يترافق موضوع زيادة الرواتب مع إجراءات تؤدي لتحسين معيشة المواطن، بحيث يغطي المنعكس الحقيقي لزيادة الرواتب احتياجات كامل السوريين.
علي بلال قاسم