مهرجان التراث الجولاني.. مناشط ثقافية على الورق!
احتضنت مديرية ثقافة القنيطرة مؤخراً مهرجان التراث الشعبي الجولاني الثاني، تأكيداً على أهمية هذا التراث الذي يفوح منه عبق النفل والبخور والرشاد والقهوة، ويتوهج فيه الجولان أغنيات خالدة، وأهازيج وطنية، وأشواقاً لا تنتهي للأرض والماء والسماء والزمان والمكان، والصباحات النّدية والمساءات الهامسة والتراب المضمّخ بدماء الشهداء المطرّز بشقائق النعمان والذكريات البهية، لتشمخ السّيدة الجولانية بالشرش والشمبر، يلتمع بيدها منجل يعانق سنابل القمح الذهبية.
وتوسّمنا خيراً بهذا المهرجان، لكن الخيبة أصابت المثقفين والرواد الذين أغراهم عنوان المهرجان لمتابعة فعالياته، فقد حضر الجميع بابتساماتهم واستعراضاتهم وألقابهم، وغاب التراث الشعبي الجولاني ورموزه وتجلياته ودلالاته الفنية الموحية الخضراء.
واتضح أن غاية المهرجان إنفاق الموازنة المخصصة له عبر مناشط ورقية فقط، وفواتير متقنة الأرقام، مدونة بخط واضح جميل.
ولعل الميزة الأهم للمهرجان هو اعتراف مديرية ثقافة القنيطرة دون خجل أو مواربة أن لا جدوى لمراكزها الثقافية أبداً، ولا فاعلية لعملها، ولاحضور لها، وتفتقر للجمهور الثقافي الذي يتابعها، لذلك احتارت بأمرها، وغاب تفكيرها، وارتكبت جريرة كبرى عندما اختارت أن يكون افتتاح المهرجان في بيت أحد المواطنين بقرية شبعا التي لا يوجد بها مركز ثقافي يتبع للقنيطرة.
ومع أن المهرجان برعاية وزيرة الثقافة، لم يحضر حفل الافتتاح أي مسؤول سياسي أو حكومي، واقتصر الحضور على بعض العاملين بمديرية الثقافة ومستخدميها وسائقيها، أما سبب كل هذه المتناقضات فهو فشل المديرية بجذب المثقفين لمناشطها الثقافية وفعالياتها المختلفة. والأمر الآخر يكمن في تجاهل مديرية الثقافة العتيدة للفرق الفنية بالمحافظة التي يجب أن تحتضنها وترعاها وتدعمها لأنها قطيفة تراثية ثقافية تمثل التراث الشعبي الجولاني مثل فرقة جبا الفنية والفرقة الشركسية وفرقة البطيحة الغنائية، فهذه الفرق لابدّ لها من نفقات مالية وأجور سفر سعت مديرية الثقافة لتنفقها بإثراء الفعل الثقافي!.
وفي اليوم الثاني، كانت هناك ندوة حوارية عن قضاء العرف والعادة بالجولان حضرها فقط كوكبة من عاملي مديرية الثقافة ومستخدميها فقط، واستغرب المتابعون للشأن الثقافي بمحافظة القنيطرة استبعاد أسماء أدبية كتبت عن التراث الشعبي ووثقته بكتب منشورة كالتراث الشعبي الجولاني، والأمثال الشعبية الجولانية.
لكن يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها، فلدى مديرية ثقافة القنيطرة شعراء وأدباء ومثقفون وقصّاصون ومتحدثون وفنانون تحت الطلب، وهم نوابغ بكل شيء، ويعلمون كل شيء، وناجحون بكل شيء، باستثناء الفعل الثقافي المبدع.
وآخر القول: عندما يصبح سدنة الثقافة أميين فإن الثقافة تنتحر.
البعث ميدياـ محمد غالب حسين