دوليسياسة

تحدّيات اليابان الصّعبة بعد الانتخابات

احتفظ الائتلاف الحاكم في اليابان المكون من الحزب الليبرالي الديمقراطي، وحزب كوميتو بأغلبية في مجلس النواب بالبرلمان في الانتخابات العامة التاسعة والأربعين. وعلى الرغم من أن الحزب الليبرالي الديمقراطي بقيادة رئيس الوزراء فوميو كيشيدا فاز بـ 261 مقعداً من أصل 465 مقعداً في مجلس النواب، إلا أن عدد مقاعده انخفضت من 276 مقعداً في المجلس السابق، وفاز كوميتو شريك الحزب الديمقراطي الليبرالي بـ 32 مقعداً.
يمكن اعتبار النتيجة انتصاراً كبيراً لـ كيشيدا بالنظر إلى أن وسائل الإعلام وخبراء الانتخابات قالوا إن الحزب الديمقراطي الليبرالي قد يخسر ما بين 30 و 60 مقعداً في انتخابات 31 تشرين الأول الفائت.
إن فوز الحزب الديمقراطي الليبرالي بنسبة غير مسبوقة من الأصوات عبر التمثيل النسبي هذه المرة يشير إلى تقدير غالبية الناخبين لإنجازاته، لكن بالحكم من خلال تقارير وسائل الإعلام وردود الفعل العامة يبدو أن الكثير من الناس غير راضين عن الحزب الديمقراطي الليبرالي وطريقته في العمل.
قبل الانتخابات انخفض معدل الإصابة بـ كوفيد 19 في اليابان إلى مستوى قياسي مع بقاء الحالات اليومية أقل من 300 لمدة أيام، لذا ربما يكون تخفيف حالة الوباء قد سهّل انتصار الحزب الليبرالي الديمقراطي، ومع ذلك يبدو أن أكثر ما أثار إعجاب الناخبين هو سياسة كيشيدا الاقتصادية.
في أول خطاب سياسي له قال كيشيدا إنه سيعزز الاقتصاد الياباني بشكل جديد، وسيستخدم ثماره لتوسيع الطبقة الوسطى في البلاد، وقال إن الفكرة هي بناء دورة حميدة للنمو وتوزيع الثروة وتطوير مجتمع جديد في مرحلة ما بعد الوباء.
تعهد كيشيدا أيضاً بإبعاد اليابان عن الليبرالية الجديدة والسياسات الاقتصادية التي يؤيدها رئيس وزراء اليابان حالياً، لأنهم فشلوا في تحسين سبل معيشة الشعب الياباني وبدلاً من ذلك وسعوا الفجوة بين الأغنياء والفقراء خاصة منذ اندلاع الوباء.
ووفقاً لمسح وطني أجرته وكالة أنباء كيودو قال 34.7 في المائة من المستطلعين إن السياسة الاقتصادية هي أهم اهتماماتهم عندما يتعلق الأمر باختيار حزب أو مرشح في الانتخابات تليها إجراءات مكافحة الوباء بنسبة 19.4 في المائة.
ومع ذلك، فإن حقيقة فوز الحزب الديمقراطي الليبرالي بأغلبية في مجلس النواب تعني أنه يحتفظ بالسيطرة على جميع اللجان البرلمانية تقريباً وبالتالي يمكنه دفع أي تشريع مثير للجدل من خلال البرلمان.
والأهم من ذلك أن الفوز الانتخابي، الذي عزز نفوذ كيشيدا في الحزب، سيمنحه فرصة لتنفيذ أجنداته على الرغم من أنه من المرجح أن يركز على القضايا المحلية مثل تدابير مكافحة الوباء والتعافي الاقتصادي، لكن عليه أن يحقق التوازن الصحيح بين احتواء الوباء وتعزيز الاقتصاد لتجنب تكرار أخطاء سلفه وهي مهمة صعبة.
أيضاً مقارنة بالمنافسين الآخرين على منصب زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي اقترح كيشيدا خططاً سياسية أكثر وضوحاً ومنهجية. على سبيل المثال أسس منظمة استشارية في عام 2017 للبحث في أنواع السياسات الاقتصادية والصناعية والاجتماعية والبيئية التي يمكن أن تضمن للشعب الياباني أن يعيش حياة مزدهرة في مجتمع يتقدم في السن، حيث يهتم دستور اليابان السلمي بالاقتصاد أكثر من ميزانية الدفاع ويعطي الأولوية لتحسين علاقات اليابان مع الدول المجاورة. مع ذلك يتعين عليه التعاون مع أعضاء الحزب الليبرالي الديمقراطي المحافظ الذين يخضعون لتأثير رئيس الوزراء السابق شينزو آبي للحفاظ على الاستقرار السياسي.
وفي حديثه في مؤتمر صحفي في الأول من تشرين الثاني قال كيشيدا إنه سيعمل بقوة لتحقيق برنامج الحزب الخاص بمراجعة الدستور وإنه خلال فترة رئاسته للحزب الليبرالي الديمقراطي التي تمتد حتى أيلول 2024 يريد أن يدرك النقاط الأربعة الخاصة بالمراجعة الدستورية التي تم إبرازها في برنامج الحزب في الفترة التي تسبق الانتخابات بما في ذلك تحديد أسس الدفاع عن النفس، وإنشاء بند الطوارئ للإضراب الاستباقي. في الواقع يهدف الحزب الديمقراطي الليبرالي إلى مضاعفة ميزانية الدفاع إلى حوالي 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وقال إنه سينظر في تطوير القدرة على شن ضربات على قواعد العدو كجزء من جهود تعزيز الردع.
أما الشيء الأكثر صعوبة بالنسبة لـ كيشيدا هو تحقيق التوازن بين علاقات اليابان مع الصين والولايات المتحدة، فقد تعهدت واشنطن بتعزيز التحالف بين الولايات المتحدة واليابان من خلال مطالبة طوكيو بنشر صواريخ متوسطة المدى لمواجهة القوة العسكرية المتزايدة للصين والتي كانت بالمناسبة أحد أسباب انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب للولايات المتحدة من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى في عام 2019.
لكن كيشيدا يعرف جيداً أن منصبه كرئيس للوزراء يتوقف على انتخاب مجلس الشيوخ “مجلس المستشارين” في تموز 2022 خاصة وأن خسائر الحزب الديمقراطي الليبرالي في انتخابات مجلس الشيوخ في 1989 و 1998 و 2007 أجبرت ثلاثة رؤساء وزراء سابقين على الاستقالة.
لذلك للبقاء في السلطة، يجب على كيشيدا تنفيذ سياسات فعالة لاحتواء الوباء وتنشيط الاقتصاد في غضون ثمانية أشهر، وهو يعلم أن اليابان بحاجة إلى التعاون مع الدول الأخرى وخاصة الصين لتعزيز الاقتصاد واحتواء الوباء من أجل كسب ثقة الجمهور.

 

البعث ميديا_ ترجمة وإعداد: هناء شروف