خطوة عروبية أصيلة
د. عبد اللطيف عمران
غالباً ما يكون النجاح حليف من يراهن على حيوية الروح العروبية وأصالتها عبر الزمن، على الرغم من التحديات التي تفرز أحياناً هفوات وكبوات سرعان ما تتجاوزها عبر التاريخ هذه الروح الوثّابة في الشارع العربي والتي لا يمكن للنظام الرسمي العربي تجاوزها.
مضى عقدٌ من السنين ونيّف على سياسات وبرامج كان يقودها الوهم ضد شعب سورية وجيشها وقيادتها، وقعت ضحيّة هذه السياسات دماء وبُنى تحتيّة وفوقيّة وطنية وعروبية، ولا شك في أن التحالف الصهيوأطلسي كان يظن ويهدف إلى أن تعصف سلسلة الضحايا الكبيرة المتتابعة بالمنطقة لتجعل شعوبها وقادتها لقمة سائغة في أشداق هذا التحالف، فكان بالمقابل صمود تحالف الشعب والجيش والقيادة في سورية قلعة صلبة بددت الوهم، وجلت الحقيقة، وبيّنت أبعاد المؤامرة على القضايا والحقوق الوطنية والقومية والتي لا يمكن أن تضيع بتقادم الزمن، ولا بتنوع التحديات وتعددها وشدّتها.
في هذا السياق كنّا في سورية على يقين من أن عودة العرب -وإن طالت- إلى سورية العروبة لا بد أن تتحقق، هذه العودة هي بالتأكيد تسجيل واقعي للانتصار السياسي والميداني والمبدئي الذي اجترحه الرئيس الأسد في معترك مرير وقاسٍ، وهي عودة يجب ألا يغيب عن الأذهان أن التحالف الصهيوأطلسي وعملاءه من خونة ومرتزقة وإرهابيين لن يتوانوا عن عرقلتها وعرقلة أي حوار أو تعاون أو تنسيق عربي – عربي، مع سورية.
هذه العودة المنشودة من الشارع العربي والتي نأمل أن يسارع النظام الرسمي العربي بمؤسساته الوطنية والقومية إلى توطيدها وتفعيلها بعد أن طال الزمن بتراخي هذه المؤسسات وتقاعسها عن أداء واجبها المنشود، وهي من شأنها أن تقضي على سياسات العزل والعقوبات والحصار، وتغذية الصراعات البينية الوطنية والعربية.
لذلك كانت زيارة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيّان وزير الخارجية والتعاون الدولي في دولة الإمارات العربية المتحدة، واستقبال السيد الرئيس بشار الأسد له وللوفد الشقيق المرافق أمس، خطوة عروبية أصيلة وواعدة، تنبع أهميتها من ضرورة وأولوية سياسة التقارب والتواصل والحوار مع سورية في هذه الظروف الصعبة التي تعصف بالأمة، ومن إنهاء القطيعة العربية معها، لأن هذا يشكّل ضمانة قوية لعدم العودة إلى الخلف، ويسدل الستار على حقبة قاسية من الصراعات العربية المريرة، بما في ذلك من فتح الطريق إلى عودة مناخ الاستقرار والثقة والحوار الشعبي والرسمي بين العرب.
فهذه الزيارة وهذا الاستقبال الودي الأخوي المشرق الواعد هو في طريق تأسيس قاعدة انطلاق رسمية معلنة لتجاوز كثير من العقبات والإشكالات الإقليمية العديدة والمؤذية التي سببها ما دُعي بالربيع العربي، ولا سيما أن كل ما طُرح خلالها كان حاجةً وضرورة، والأهم هو ما اتُفق عليه من وضع حل المشكلات في سياقها العربي بعيداً عن التدخلات الخارجية.
مع هذه الزيارة يقف النظام الرسمي العربي اليوم أمام خيارات إيجابية من جهة، وأمام مفترق طرق واضح من جهة أخرى عليه العمل خلاله على عودته إلى الإمساك بقراره الوطني والعروبي، والالتفاف حول قضايا العرب ومصالحهم ومصيرهم الوطني والقومي كيلا يعودوا مرة أخرى إلى طريق مسدودة بائسة تقع الأمة كلها خلالها ضحية في شرك أطماع أعدائها.
ومن اللافت في هذه الزيارة، وكل ما فيها لافت ومهم وواعد أيضاً، هو الاتفاق على استمرار التشاور والتنسيق حول مختلف القضايا والتحديات التي تواجه العرب من أجل تحقيق تطلعاتهم، وتكثيف الجهود بين البلدين لاستكشاف آفاق (جديدة) للتعاون في القطاعات الحيوية من أجل تعزيز الشراكات الاستثمارية فيها، وتأكيد الشيخ عبد الله بن زايد دعم الإمارات لجهود الاستقرار في سورية، وأنّ ما حصل فيها أثّر على الدول العربية كلّها، وإعرابه عن ثقته بأن سورية (وبقيادة الرئيس الأسد) وجهود شعبها قادرة على تجاوز التحديات التي فرضتها الحرب…
نعم إنها خطوة عروبية أصيلة، نأمل أن تكون منطلقاً لخطوات أخرى قريبة ومتتالية في سبيل النهوض من هذا الواقع الذي لا يليق بمستقبل أجيالنا الطالعة، وأوطاننا الجريحة.