ثقافة وفن

دراما تكريس الفشل.. “يوميات مدير عام” مثالاً

يعود الدكتور أحمد من السفر، ويذهب إلى عمله في المديرية، التي تمّ تعيينه على رأسها، لتقويم اعوجاجها الوظيفي والأخلاقي؛ المدير العام يرى نتائج عمله الدؤوب والخطير مرمية عند الأقدام، ما من قيمة لها، ليس داخل المديرية فقط، التي عادت إليها كل مظاهر الخلل التي حاربها بمجرد سفره في إجازة!، بل من بابها الرئيسي، والذي عاد المشرف عليه، ليمارس “بيروقراطيته” وعقد نقصه على المراجعين، وهنا يدرك الدكتور أحمد أن عمله الإصلاحي باء بالفشل كله، فيقول كلمته الشهيرة، “عوجا” وما لها من دلالة في التعبير عن استحالة تجليس الحال “المايل”..

مسلسل “يوميات مدير عام” –زياد الريس- هشام شربتجي، الذي تعيد واحدة من قنواتنا التلفزيونية بثه للمرة المئة ربما، والذي عرض للمرة الأولى عام 1995، يعرض بسطحية للفساد والبيروقراطية وغيرها من الأمراض المستعصية في المؤسسات الحكومية، من خلال تقديم مجموعة من المواقف المستهلكة والسمجة، والأخطر المزورة للحقيقة بالتضليل عنها إلى ما دونها بكثير؛ حرق مستودع، إكرامية موظف، رشوة، واسطة، وغيرها، وهذه من “الكليشات” المكررة في كل عمل درامي يعرض لهذا الشأن، سواء كان عملاً محلياً أو عربياً، وعوضاً عن تسليط الضوء على المصائب الفعلية التي تعاني منها هذه المؤسسات، وهي من تقف بكل بساطة خلف ترهلها وعجزها، فسادها وخروجها عن لعب الدور المناط بها في المجتمع، يتم العمل على طمس معالم جريمة اغتيال هذه المؤسسات، بمعالم جريمة أقل شأناً بكثير، بل هي من النتائج الطبيعية للجريمة الكبرى، مثل الرشوة وسرقة مستودع، البيروقراطية وغيرها.

الفشل الذي مني به المدير العام الإصلاحي، والذي عرض حياته للخطر في سبيله، يعني أولاً وأخيراً فشله هو بما تنطع له، فإن كان عاجزاً عن إصلاح حال أهل بيته، كما ظهر في العمل، فمن الطبيعي أن يفشل في مهمته الأكثر جسامة، الكاتب لم يسمح للبطل، للمثال، للقدوة، أن ينتصر، وهكذا تصبح مقولة “عوجا” هي من إصرار الكاتب على أنها كذلك، حتى يفقد الجمهور أي أمل بالخلاص، بل ما من داع لمحاولة الإصلاح من الأساس، فهناك من حاول وفشل عنهم جميعاً!

في الواقع لا يمكن أن نفهم لماذا تريد دراما تلفزيونية، تكريس هذه الانهزامية الشديدة، وترسيخ كل هذا اليأس والإحباط، والعمل على سحق أي بادرة أمل بإصلاح الشأن العام؟ ماذا أراد الكاتب أن يقول للناس من خلال عمله؟ إياكم والمحاولة لأن مصيرها الفشل كحال بطل العمل؟ أم أن كل شريف ومخلص ومتنور، هو فاشل بالضرورة؟ يا أيها الناس، اسرقوا وانهبوا، لا تحترموا القوانين ولا الأعراف، تعاملوا بالرشوة، قدسوا الواسطة والمحسوبية، كلوا المال العام فلستم شطاراً إن لم تفعلوا وستندمون؟ بئس المقولة وبئس الدراما إذاً.

حسناً إن كان الواقع هكذا وانتهى الأمر، فلماذا قام الكاتب، بما يريد للناس أن ييئسوا من مجرد التفكير بالقيام به؟ لماذا يعرض واقعاً، لا أمل ولو للحظة بمعالجة ترديه والارتقاء فيه؟ أم أنها ثرثرة مدفوعة الأجر والسلام؟ لماذا يريد أن يبرئ نفسه من كونه لم يسكت عن الحق، وهاهو يعرض له، بينما يريد أن يدين سكوت الناس عنه؟ وإن لم يسكتوا هل ينتهي الأمر؟ لا، كل ما يفعلونه سيان، ونتيجته واحدة ومحسومة، الفشل!

هذا العمل وما يشبهه في الطرح والمبنى والنتيجة، يجب ألا يعرض على جمهور اليوم، كي لا يغتال الأمل فيه، كما فعل بأجيال سبقته، عدا عن كونه يحكم حكماً قطعياً على كل محاولة إصلاحية بالفشل، ويجعل من كل نزيه وشريف أضحوكة، فلا يريد أحد ما أن يكون محله!

 

تمّام علي بركات