دوليسياسة

ميركل ستبقى في الأذهان

أظهرت استطلاعات للرأي جرت مؤخراً، أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هي القائد العالمي الأكثر شهرة والأكثر ثقة للقيام بالأشياء الصحيحة على الساحة العالمية، وذلك من خلال مقياس قدرتها ورؤيتها التي حققتها على الرغم من النفوذ الأمريكي الهائل في كل جانب في أوروبا والتوترات الجيوسياسية المتزايدة في العالم.

تتسم ميركل بالبرودة والعقلانية والبراغماتية، وهي على استعداد للاستماع والتواصل حتى مع القادة الذين لم تكن تتفق معهم بشأن قضايا معينة ولديها مبادئها لكنها مرنة ومستعدة لتقديم تنازلات.

بعد أن أمضت ميركل نصف حياتها في ألمانيا الشرقية السابقة كعالمة في كيمياء الكم، ودخلت السياسة لاحقاً أصبح لديها منظور أفضل وقدرة تحليلية على فهم العالم المتنوع المختلف عما يراه العديد من السياسيين الأمريكيين، وقد ساعدتها زياراتها المتعددة إلى الصين أكثر من أي زعيم أجنبي على فهم تعقيد أمة فيها خمس سكان العالم وتاريخ يمتد إلى 5000 عام، وحتى في القضايا ذات الاختلافات الحادة، حيث وضعت ثقتها في الحوار بدلاً من اللجوء إلى حملات التشهير على الطريقة الأمريكية لمعالجة هذه القضايا.

وكقائدة فهمت ميركل جيداً الفوائد المتبادلة للمشاركة البناءة مع الصين وروسيا على الرغم من الضغط الشديد من الولايات المتحدة، ولعبت دوراً محورياً في اختتام المفاوضات حول الاتفاقية الشاملة للاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي في كانون الأول الماضي، وأثناء فترة عملها أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لألمانيا بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد عبر رابط الفيديو في “دافوس” في أواخر كانون الثاني الماضي، عارضت ميركل بشدة جهود الولايات المتحدة لفصل الاقتصاد الصيني عن الاقتصاد العالمي، وإطلاق حرب باردة جديدة ضد الصين قائلة: “أود بشدة أن أفعل ذلك لتجنب بناء الكتل ولا أعتقد أنه سيكون من العدل للعديد من المجتمعات إذا قلنا أن هذه هي الولايات المتحدة وتلك هي الصين ونحن نتجمع حول أحدهما أو الآخر وهذا ليس فهمي للكيفية التي يجب أن تكون عليها الأشياء”.

كما ثبتت ميركل في مشروع خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” بالتعاون مع روسيا على الرغم من الإكراه من قبل الإدارات الأمريكية المتتالية. ومثل سلفها غيرهارد شرودر الذي عارض بشدة الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق عام 2003، رفضت ميركل المشاركة في التدخل العسكري في ليبيا في عام 2011 والذي تحول إلى كارثة ملحمية أخرى من قبل الولايات المتحدة وبعض حلفائها في الناتو، ولاقى نهجها العقلاني والعلمي في معالجة جائحة كورونا ترحيباً ليس في ألمانيا ولكن في دول الاتحاد الأوروبي والعالم.

لقد برعت ميركل في عالم معظمه من القادة الذكور، وألهمت النساء في جميع أنحاء العالم لتولي أدوار مهمة في بلادهن، وكذلك على الساحة العالمية. إن ميركل ستترك قيادة ألمانيا في وقت يواجه فيه العالم حالة من عدم اليقين، ويأمل الكثيرون أن تستمر في لعب دور في الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة، بينما يتساءل آخرون عمن سيشغل مكانتها الكبيرة في ألمانيا؟.

تقرير: عائدة أسعد