هذا ما جلبه أردوغان لنفسه!
منذ ما يزيد عن شهر تقريباً، تناولت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، في أحد أخبارها، نبأ مرض رئيس النظام التركي رجب أردوغان، لتسارع حينها وسائل الإعلام التركية المقربة من رأس النظام المرجوة لسياساته والداعمة لطموحاته السلطانية، بنفي الخبر، بل لتهاجم المجلة الأمريكية، وتدعي أنها تقوم بتلفيق هكذا أخبار لخدمة المعارضة التركية، وخاصة المعارض “فتح الله غولن” المقيم في أمريكا، رغم أن هذا التكذيب لم يترافق مع أي ظهور لرئيس النظام التركي على شاشات الإعلام لا قبل نشر الخبر ولا حتى بعده.
وهو ما قرأه مراقبون أن الخبر الذي نشرته “فورن بوليسي” وتداولته باقي الوكالات يحتوي على كثير من المصداقية، وخاصة أن المجلة لديها إمكاناتها وصلاتها وعلاقاتها في معظم دول حلف الأطلسي “الناتو”، هذا من جانب، ومن جانب آخر، تغيّب أردوغان عن الظهور الإعلامي لفترة تقارب 13 يوماً، قبل أن يسارع بعدها للظهور في أحد المساجد في العاصمة التركية عقب صلاة الظهر، وجميع من حوله يرتدون الكمامات.
وحتى إن محاولة ظهوره بمظهر القوي أثناء تهديده سفراء الدول العشر بالطرد من تركيا، بعد مطالبتهم بضرورة الإفراج عن الناشط “عثمان كفالا “، كان يصب في إطار نفي حقيقة مرضه، وخاصة أن مسؤولية إعلان ذلك في كل الدول ذات الأنظمة السياسية المختلفة حتى الملكية منها تقع على عاتق وزارة الخارجية أو وزير الخارجية أو المتحدث باسمها، ولكن رئيس هذا النظام أراد الظهور بشكل متعمد قبل يوم من لقائه نظيره الأمريكي جو بايدن في قمة العشرين في روما، ليسخر منه الأخير بإلقائه عليه التحية العسكرية في دلالة على أنه رئيس استبدادي بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى.
إذاً لماذا انزعج أردوغان من نشر هذا الخبر، ولماذا أراد الظهور في موقفين فيهما تحدّ للغرب؟..
إن الإجابة على كلا السؤالين ستؤدي إلى مصب واحد هو التسلط والاستئثار في السلطة، ولا شيء سوى السلطة انطلاقاً من تطبيق مقولة ميكافيلي: “كل وسيلة للحفاظ والتفرد بالسلطة هي مبررة وجيدة بما في ذلك الكذب والقتل”.
على الصعيد الداخلي فإن رئيس النظام التركي أردوغان يدرك بأن المشهد السياسي لم يعد مستقراً، كما كان عليه خلال أعوام خلت، بل نتيجة مغامراته الخارجية بغرض إقامة إمبراطورتيه الاستعمارية المزعومة وإعادة أمجاد أجداده الدمويين، وما شهده الوضع الاقتصادي التركي مؤخراً وانعكاسه على تردي الأوضاع المعيشية والحياتية للشعب التركي المسلوب الإرادة والحرية، ومحاولة خطف الإرادة السياسية عبر محاولته تعديل الدستور لصالح تحقيق أوهامه، فضلاً عن مركزيته الاستبدادية داخل حزب العدالة والتنمية، وما نجم عن ذلك من انشقاق كبار رموزه ودعائمه، فضلاً عن وجود الكثير من السلبيات الناجمة عن سياساته الغوغائية في الداخل والخارج، أصبحت الأمور بالنسبة له مهددة، وفق وصف وزير خارجيته السابق أحمد داوود أوغلو، والحديث اليوم عن مرضه وانتشار مثل هذا الخبر قد يشجع خصومه والطامعين بالسلطة من المقربين منه قبل غيرهم من خصومه على استغلال ذلك، وخاصة أن أردوغان مقبل على انتخابات رئاسية، في ظل تراجع شعبيته بمعدل 9% عما كانت عليه عام 2020، فضلاً عن تقلص وانسحاب المنتسبين لحزبه والذين تجاوزوا المليون والمئة ألف، خلال عام ونصف عام.
لذلك تكمن مخاوف أردوغان على السلطة، سواء إن كان ذلك لإقدام المقربين منه على استغلال وضعه الصحي للقيام بانقلاب، أو استغلال ذلك من قبل المعارضة لتقليب الشارع الانتخابي ضده.
وعلى الصعيد الخارجي أيضاً تتزايد مخاوف أردوغان من انتشار مثل هذا الخبر على احتمالية بل تأكيد تأثير ذلك على السلطة، وخاصة أن هناك الكثير من الخصوم والأعداء الخارجيين لتركيا الذين ينتظرون الفرصة المناسبة والظروف المواتية للانتقام منه على سلوكياته العدوانية، فصفر مشاكل – الاستراتيجية التي تبنتها تركيا- مع الخارج، باتت اليوم وبفضل غوغائية المدعو أردوغان صفر أصدقاء، وبالتالي معظم الدول التي استنزفت بسبب عدوانية أردوغان، لن تتوانى عن دعم المعارضة لا إعلامياً ولا سياسياً، وحتى بأشكال أخرى، انتقاماً مما فعله أردوغان بها، تطبيقاً لمقولة “هذا ما جلبه أردوغان لنفسه”.
محمد نادر العمري