سلايدصحةمجتمع

الوشم.. هوس شباب أم تجميل جسد

تزايد في السّنوات الأخيرة الاهتمام بالوشم، بمختلف أنواعه وأشكاله، على أجزاء مختلفة من الجسد، سواء الظاهر منها أو المخفي..

ضد ومع

نسبة ممن رصدنا آراءهم اعتبروا الوشم نوعاً من الثقة بالنفس، بينما أرجعه بعضهم إلى الاقتداء بالفنانين والمشاهير، في حين اعتبره آخرون هروباً من واقع مرير نحو خلق نوع من الطاقة والأمل.

على النقيض من هذه الآراء، كانت هناك آراء تستهجن الوشم بكل أشكاله وتعتبره تعدياً على الصورة البشرية التي خلقنا عليها، وتقليد أعمى لنجوم الشاشة والسينما بلا دراية بمخاطره الصحية على المدى الطويل، في حين اعتبره بعضهم ضريبة الحضارة من إنترنت وتواصل وغياب رقابة أسرية.

السيدة “ريما.ج” تقول: لطالما حلمت بالحصول على وشمي الخاص، وعندما أفكر في الأمر لا أجد أن هناك دافعاً حقيقياً لهذا الحلم، ولكنني ربما شعرت أن خياري في الحصول على وشم يعبر عن حقي في امتلاك الأشياء التي أحبها فقط ولست بحاجة لأي مبرر، كما أن شكل الوشم الذي أختاره سيعبر عن اختلافي، ناهيك على أنني أرى الوشم شيئاً جميلاً وملفتاً، لكنني أفضل عدم المبالغة فيه، سواء من حيث عدده أو مساحته على الجسد، ولكن في الوقت ذاته ترددت كثيراً قبل أن أقدم على الحصول على وشم، لأنه شيء ثابت ولا يمكن تغييره، بينما مفاهيمنا للحياة متغيرة لذلك تقصّدت التأني في اختيار ما أريد أن أوشم، ولا أخفي سعادتي بهذه الخطوة ولاسيما أنني اخترت اسمي ليكون وشماً لي، ما جعلني متأكدة أنني لن أندم يوماً على الوشم.

ظاهرة خطيرة

الدكتورة نسرين موشلي مدّرسة في قسم أصول التربية عرّفت الوشم بأنه ظاهرة اجتماعية جمالية تتفشى بين جيل الشباب بشكل ملحوظ وخطير. وأوضحت أن كلمة وشم “tattoo” تعود إلى اللغة التاهيتية وتعني وضع علامة أو صورة أو رمز على الجسد، مارسها العديد من الشعوب كالمصريين والرومان والإغريق والصينيين والهنود… والهدف كان تجميل الجسد أو رحمة وحماية للروح، وقد اعتبرته بعض الشعوب أسلوباً للتعريف عن الهوية أو الوضع الاجتماعي أو إظهار انتماء الفرد لجماعة دينية أو وطنية أو للزينة “كما عند العرب”، أو كعلاج ضد الحسد” كما عند المصريين.

وأكدت موشلي أن عملية الوشم من الناحية النفسية يظهر كنوع من أنواع التميز والاختلاف النفسي للتعبير عن الهوية الشخصية بطريقة مختلفة وترك انطباع حول نمطه السلوكي لدى الآخرين، ويمكن اعتبارها ظاهرة ناجمة عن عدم قدرة الفرد على التعبير اللغوي والاجتماعي والفكري والعاطفي، وهي نوع من الإزاحة للكبت النفسي أو لإسقاط معاناة نفسية ما على الجسد، بحيث يعطي ذلك الفرد الإحساس بالقوة والرضا عن الذات، ويظن صاحب الوشم أن الناس التي تراه سوف يفهمونه من خلال هذا الوشم، فيحاول إظهاره ورسمه في مكان بارز كالذراع أو اليد أو الكف أو الرقبة.

شعور العظمة.. “البرانويا”

وعن رأيها بمن هم مهووسون بالوشم لدرجة الوشم بأكثر من مكان على جسدهم، تقول الدكتورة موشلي غالبية الأشخاص الذين يكثرون من الوشم في أجسادهم مصابون باضطرابات شخصية كالشعور بالعظمة “البرانويا” الناجم عن الشعور بالدونية داخل أنفسهم، والشخصية الهستيرية التي تسعى لجلب الانتباه وضعف النضج العاطفي والفكري والسلوكي، كما أن هؤلاء ذوو سلوكيات منحرفة كإدمان الكحول والمخدرات، وتدل الدراسات أنهم يتسمون بقلة المسؤولية وعدم احترام التقاليد الاجتماعية.

تمرّد على الواقع

وأرجعت الدكتورة موشلي أسباب توجه جيل الشباب للوشم دون مراعاة للمخاطر والتحريم إلى إن الشباب يبحثون عن حرياتهم والتعبير عن مكنوناتهم، إما بسبب الفراغ القاتل أو للتمرد على واقعهم، ويجدون في الرسومات المختلفة للوشم نوعا من إثبات الشخصية والتعبير عن مشكلاتهم الاجتماعية والنفسية، لاسيما وأن لكل وشم رمزاً خاصاً ومعنى يمثل أفكارهم، إضافة إلى وجود فجوة ثقافية واجتماعية بين جيل الشباب والآباء والأجداد، ما ولد عند هؤلاء الشباب الإحساس بعدم الثقة والأمان في المجتمع ونكران الأهل للكثير من سلوكياتهم، فأصبح الوشم وسيلة لشعور الشباب بحرياتهم وقيمة الحياة وفق نظرهم كشباب يحمل ثقافة مخالفة لثقافة الأهل.

قوانين للحد منه

إن هذا الانتشار الواسع لمثل هذه الظواهر يحتاج لفرض قوانين للحد من مخاطرها الجسدية والنفسية والاجتماعية، وفق ما ذكرت الدكتورة موشلي، التي أكدت أن الدول الأجنبية حذرت من أضرارها وفرضت القوانين للحد منها وتفعيل القوانين القديمة كما في بريطانيا التي باتت تذكر بالقانون الذي صدر 1969 والذي يحرم الوشم، وبدأت اليابان حملة ضد هذه الظاهرة انطلاقاً من المرسوم الذي صدر عام 1870 والذي يحرم الوشم، وفي الدنمارك أصدرت الحكومة قانوناً يمنع كل من لم يبلغ عامه الـ18 بوشم جسده إلا بإذن ولي أمره.

مضاعفات خطيرة

قد يؤدي رسم الوشم دون شروط عقامة صارمة، وفق ما ذكرت الأخصائية الجلدية، الدكتورة رهف الخولي لـ”البعث ميديا”، إلى حدوث إنتان بالعقديات أو العنقوديات، ما يسبب التقيح بالجلد، ويمكن أن يحصل “كزاز” أو التهاب كبد، وفي بعض الحالات قد ينتقل فيروس نقص المناعة المكتسب “الايدز”.

وقد يتسبب الوشم في بعض الحالات بارتكاس حساسية ارجي واحمرار شديد، أو يشكل حبيبومات أو مرض الساركوئيد، وتزداد نسبة حدوث هذه الحالات في حال استخدام مواد غير معروفة المصدر.

وتنوه الخولي بأنه في بعض الحالات عند استخدام حبر يحوي على مادة الزئبق “خاصة الحبر الأحمر” يؤدي إلى تسرطن الجلد، وهذا لا يظهر مباشرة بل بعد عدة سنوات لذلك تنصح من ينوي الوشم التأكد من مصدر الحبر وبأنه خال من أي مواد سامة.

آلية إزالته

وحول إزالة الوشم، تقول الدكتورة رهف، نستخدم في إزالة الوشم نوعاً من أنواع الليزر يسمى Q switched lasers يعطي طاقة عالية جدا بفترة قصيرة جدا، ونحتاج لذلك من 5-12 جلسة بفاصل شهري ويمكن ألا تتحقق إزالة كاملة للوشم، وعند إزالة الوشم بالليزر قد تحدث بعض المضاعفات وفق ما ذكرت الأخصائية كالتندب “ندبه” مكان الوشم أو تغير اللون مثلا “يكون بنياً يصبح أحمر” وخصوصاً عند استخدام حبر غير معروف المصدر، ويمكن أن تحدث حساسية شديدة مكان الوشم.

مما تقدم عرضه على لسان ذوي الاختصاص نجد أن الوشم ظاهرة موجودة، لا يمكننا إغلاق عيوننا عنها وكأنها ليست موجودة، لكن من الضروري العمل على زيادة الوعي ونشر ثقافة رفض الوشم بين هذا الجيل انطلاقاً من المخاطر التي يسببها.

 

البعث ميديا|| ليندا تلي