“ميتا فيرس”.. احتلالٌ من نوع آخر!
لا نعلم حقيقة مدى الخطورة التي قد يفرضها علينا عالَم من الوهم “يبشّروننا” بقدومه، عالَم سنتحول فيه إلى “أفاتارات” متحرّكة، تسبح في فضاء من خيال يتفوّق بمغرياته وعوالمه المبهرة على واقع سيتضاءل أمام “الوافد” الجديد، ليغدو باهتاً مملاً لا لون فيه ولا دهشة، ننسحب منه تدريجياً وبهدوء، لنعلن انزياحنا اللاّمتناهي نحو مجهول نشتاق اكتشافه، برغبتنا وبكامل إرادتنا، نعم هذه المرّة سيسلبوننا وعينا ويتحكّمون حتّى بمشاعرنا وتحركاتنا وأسرارنا، إنه خضوع مُعلن تجاه سيطرة مطلقة، واحتلال من الدرجة الأولى، لكنّه بمحض الإرادة وبكامل الوعي والقناعة!..
تشدّق علينا “بطل” الفيسبوك، ليعلمنا أنه سيخترع لنا كوناً جديداً، لا مسافات فيه ولا حدود نعبر العالم في مكاننا، ونستحضر الكائنات والبشر افتراضياً، بالصوت والصورة، دون الحاجة للذهاب إليهم، نعقد الاجتماعات وندير النقاشات، ونذهب لأقصى المسافات ونعود، ونحن في مكاننا، بالإضافة إلى الكثير من التجارب الجديدة التي سنخضع لها بشكل لا يتخيّله عقل، قد يشكّل هذا العالم ذروة التطور في دنيا الرقميات، والمؤكد أنه سيكون مغرياً للكثيرين، لكنه سيذهب بنا جميعاً إلى المزيد من الافتراض، ويغرقنا في أعمق غياهب الوهم ويبعدنا أكثر عن الواقع، هذا “الدخيل” سيهدّد ارتباطنا بذواتنا، ويفصل عنّا وجودنا، ليصبح الانتماء لعالم الخيال متفوقاً على الحقيقة، لن يكون أحد بمعزل عن ذلك، فالخطر هنا جماعي، لأن التقنية باتت تفرض وجودها علينا رغماً عنا، شئنا أم أبينا، وإلا بتنا خارج الركب واتُّهمنا بالجهل وبأميّة التطور، حتى إنها باتت تتحكم بنا أكثر مما نتحكم بها، بتنا أسرى فرضياتها وأرقامها وتفاعلاتها للدرجة التي فقدنا فيها الذات، لعلّ التجربة مع “الفيسبوك” خير دليل على ذلك، استطاع العالم الأزرق أن يحتل جزءاً كبيراً من حياتنا، من لا يملك صفحة عليه اليوم، يعتبر أمّياً بمفردات التطور، وحين انقطع عن العالم دقائق من الزمن انقلبت الدنيا واهتز العالم بأكمله، كثرٌ هم الأسرى الذين أحسّوا بالضياع، وفي الوقت ذاته شعروا بخطورة الأمر، وبمدى سيطرة هذا العالم عليهم للدرجة التي لا يمكنهم بها الاستغناء عنه..
ماذا عن “الميتا فيرس” هذا العالم الجديد الأكثر إغراءً وغواية، المليء بالأسرار التي تنتظر اكتشافها والألغاز التي ربما لن نتمكن من حلّها، مما لا شك فيه أننا سنتعرض للمزيد من الهيمنة والسيطرة بأدوات رقمية ستتدخل في أدق تفاصيل حياتنا، الأمر الذي سيحتّم علينا معرفة أبعاد النفق الذي ستقودنا إليه التكنولوجيا، ما المدى وما الأفق، وهل هي موجهة لفائدتنا وإسعادنا حقاً؟!، أم أننا دخلنا في لعبة موت روحي بطيء، لم يعد بمقدورنا الانسحاب منها، نفقد خلالها، وبالتدريج، كل معنى بحواسنا وصلتنا بالواقع والحقيقة والحياة..
هو أسلوب حياة قد يفرضها علينا العالم الافتراضي الجديد، الذي يحكمه جشع المال بالدرجة الأولى على حساب الإنسان وسعادته، ومما لا شك فيه أنه سيخلق صعوبات وتحديات جمّة لا بدّ من دق جرس التنبه لأخطارها والتأهب لمواجهتها منذ الآن، تحديات لن يكون أحد، حتى الأطفال، بمنأى عنها، الأمر لن يقف عند ضرورة وضع ضوابط وحدود للتعامل مع التقنية الجديدة، ولن يكتفي بنشر الوعي بأخطارها ومآزقها، الأمر يحتاج جلسات نقاش واعية ومحاضرات مفتوحة الاحتمالات ودراسات مكثفة يتشارك فيها أصحاب الخبرة من علماء النفس والاجتماع والتربية، وصولاً لابتكار أساليب وطرق تفكير تخلق أسوار ردع لخطر يطرق الأبواب.
البعث ميديا _ هديل فيزو