مسرحية “الغنمة”.. حفلة من الصراخ والموسيقا الصاخبة على خشبة مسرح حمص
بدأت أمس فعاليات أيام الثقافة السورية، التي تقيمها وزارة الثقافة في عدد من المحافظات، وتستمر لمدة أسبوع كامل، بعرض مسرحية “الغنمة” على المسرح القومي بحمص، إعداد وإخراج زين العابدين طيار، عن نص “سترة من المخمل”، للكاتب البلغاري ستانيسلاف ستراتييف، الذي يعد أحد أبرز الكتاب الكوميديين الساخرين في بلغاريا، بمشاركة عدد من الممثلين الهواة.
في “الغنمة” يستكمل طيار ما بدأه في عرضه السابق “العطسة” عن مجموعة نصوص ساخرة للروسي تشيخوف في الاشتغال على نمط مسرحي تهكمي يجمع بين النقد الاجتماعي والإداري الهادف، وبين الفرجة الاستعراضية الصاخبة المراد منها الوصول إلى عنصر الإمتاع والاستحواذ على تفاعل المتفرج، حتى لو اضطر إلى اللجوء للمفردات والحركات المبتذلة التي قد ترضي شريحة عمرية من الجمهور الشاب الذي غالباً هو النسبة الأكبر من جمهور المسرح الحمصي مقارنة بالفئات العمرية الأكثر نضجاً، والتي لا تستهويها هكذا أنماط مسرحية تجريبية.
أكثر من ساعة ونصف والممثلون يتبارون فيما بينهم على استجداء ضحكة من جمهور ملأ المدرجات والممرات، دون التركيز على الفكرة الأساسية التي تسلط الضوء بشكل أساسي على سلبيات البيروقراطية المسيطرة على مؤسسات القطاع الحكومي، من خلال حكاية “ايفان” الذي يجد نفسه بسبب خطأ في بيانات موظف، أنه يملك غنمة وعليه الإقرار بذلك،كي يدفع ضريبة عنها، وموظف آخر تعطل به المصعد فظل، بسبب غياب فنيي الصيانة، يسكن المصعد لأيام عديدة، موظفون مدجنون يمارسون الرتابة ذاتها يومياً.
المفارقات التي لم أجد لها مسوغاً في العرض هو هذه المبالغة في الاشتغال على الكركترات التي يتصور المخرج أنها تساعد الممثل على التقاط اللحظات الكوميدية وتجسيدها بعفوية مقنعة، فجعل الممثلين الذكور يلبسون لباساً نسائياً، والعكس أيضاً، ربما ليقول أن كل شيء في حياتنا بات مشوهاً وغير سوي حتى جنس الإنسان.
هذه الغرائبية والمبالغة في رسم الكركترات لا يأتي، كل الأحيان، بنتائج مرضية، لأنها تتطلب، غالباً، ممثلاً متمكناً من الشخصية، مدركاً تمام الإدراك “سيكيولوجيتها”، فيعيش معها بثقة وعفوية وهدوء ليستطيع من خلال ذلك إقناع المتلقي وضمان ردود فعل إيجابية تجاهها.
ما شاهدناه في “الغنمة” ليس أكثر من حفلة تهريج وصراخ متكرر وتشكيل بصري عشوائي، واستعراض حركي موسيقي صاخب تتخلله وقفات خطابية وعظية تستهدف الجمهور وتخاطبه كنوع من التغريب البرختي، كل ذلك طغى على الحوار وشوه فكرة النص، وبعثر مقوماته التهكمية، والكوميدية الهادفة التي لم نصل معها لا إلى بلح اليمن ولا إلى عنب الشام.
هذا التوصيف يمكن أن نسوقه على غالبية عروض المسرح الحمصي، سواء القومي أو العمالي أو الفرق الخاصة، الجميع يضع نصب عينيه أن يخرج عرضه بنسبة أكبر من القهقهات داخل صالة، لذلك نجده سرعان ما يغرق في مستنقع الابتذال ويخسر فكرة العرض ورسالته.
ليس من السهل جعل كل الممثلين على الخشبة يؤدون الأدوار الكوميدية وانتظار النجاح في ذلك، للكوميديا كاريزما جسدية وصوتية تحدد قدرة الممثل على أداء هذا النوع من الدراما، و هي التي تجعل المتلقي يتقبل الشخصية أو يرفضها، وهي من أصعب أنواع الدراما والخوض فيها مغامرة غير محسوبة النتائج..
آصف إبراهيم