تجلّيات القيم الحضارية والإنسانية في زيارة لليلى نصير
تكرّس زيارة المشاركين في ملتقى زكريا شريقي للفن التشكيلي إلى دار الراحة للمسنين، للاطمئنان على الفنانة التشكيلية الرائدة ليلى نصير، حالة الإبداع الإنساني الراقي للفن التشكيلي، كرسالة ومسيرة وهدف وتعبير عن قيم إنسانية واجتماعية تضاهي في أهميتها القيم الفنية والثقافية، وهذه كلها تتلاقى عند القيم الحضارية للفن التشكيلي كحالة إبداعية شاملة لكل أشكال ومكونات الحياة، لأن الفنانة الرائدة ليلى نصير خطّت مسيرتها الفنية الثرّة والحافلة بالعطاءات والإبداعات عبر عقود طويلة من عمرها التشكيلي بروح الإبداع المتجدد، فقد راكمت أعمالها الإبداعية وتجاربها الرائدة لتكون أيقونة للفن التشكيلي، ولأن الوفاء للإبداع قيمة أولى في رسالة الفن التشكيلي، فقد تجسّد هذا الوفاء في زيارة الفنانين التشكيليين والشخصيات الثقافية في الملتقى الذي يقام في رحاب احتفالية “الثقافة أصالة وتجدد”، ومن هنا أفرد الملتقى يومه الثاني لزيارة إلى دار الراحة للمسنين، وتنفيذ يوم عمل تشكيلي في الدار، والاطمئنان على صحة الفنانة التشكيلية ليلى نصير.
عن زيارتها للفنانة الرائدة ليلى نصير قالت الدكتورة غادة زغبور التي شاركت في ملتقى زكريا شريقي للفن التشكيلي: زيارة الفنانة الرائدة ليلى نصير محطة حافلة بدلالاتها الذاتية والفنية، لأن الفنانة نصير اسم وتاريخ وذاكرة وإبداع، وشخصية بارزة وحاضرة في الوسط الثقافي والفني، ولذلك تقول د. زغبور: عبّرت عن انطباعاتي ومشاعري ورؤاي عن الرائدة ليلى نصير بكلماتي العفوية المفعمة بمحبتها فقلت: تعتبر الأستاذة التشكيلية ليلى نصير، مواليد ١٩٤١، من أهم رائدات الفن التشكيلي السوري، فهي أول امرأة تحصل على منحة لدراسة الفن التشكيلي خارج بلدها في مصر، حيث تخرّجت عام ١٩٦٣، لتبدأ تجربتها الفريدة في التجريب، كما تقول عن نفسها: أنا فنانة تجريب، مطورة بأدواتها وبقدرتها على التأليف والتوليف الشكلي.
استقت الأستاذة نصير موضوعاتها من الواقع لتعيش حياة أشخاصها، فهي لازمت المعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة، واتخذت لنفسها كرسياً في مقهى يرتاده الرجال مايزال أصحابه يحتفظون به: (إنه كرسي ليلى نصير)، متحدية التقاليد والأعراف لتقضي وقتاً طويلاً وهي ترسم هموم الناس المأزومين وانكساراتهم، لتأتي حرب لبنان كمحطة مهمة في حياتها، تاركة بلدها، معتلية تلة ترقب الدمار وترسمه بكل جوارحها من بعيد، فهي ابنة بيت نهلت منه الثقافة والعلم منذ الصغر، فكتبت القصة والشعر، وأخلصت لفنها على حساب إنشاء أسرة، فرسمت الأطفال الذين كانت تحلم بهم، متنقلة في أسلوبها بين الواقعي والتعبيري والتعبيري التجريبي والسوريالي إلى جانب الطباعة.
لوحاتها تغلب فيها الأساطير، فللحضارة الفرعونية أثناء دراستها أثر كبير في لوحاتها، وهي ابنة اللاذقية، مدينة أول أبجدية في التاريخ، فلا شك أن للتراث نصيباً كبيراً في أعمالها تجلى في طريقتها، فنخال أن اللوحة محفورة أو خشنة، بينما ملمسها في غاية النعومة، لعيون نسائها المتسعات جمود وكأن الدموع تحجّرت في مآقيهن، حتى عندما رسمت الحوامل كانت تقصد الشقاء والهموم، فهو حمل لا يبشّر بالولادة.
وتؤكد د. زغبور أنه رغم أعوامها الواحدة والثمانين، كانت الفنانة الأستاذة ليلى نصير حاضرة اليوم في نقاشها حول إلحاحها على توفير فرص عمل للجيل الجديد، هي التي لم تحمل بطفل، حملت بوطن، حاولت جاهدة مد يد العون له من خلال إرث سيخلّدها.
وعن ملتقى زكريا شريقي للفن التشكيلي قالت د. زغبور: كانت ثلاثة أيام تمنيتها لو تطول مع فنانين تشكيليين قدوة في العمل على إنجاح العمل الجماعي: أ. مجد صارم مدير ثقافة اللاذقية بحرصه على تفقّد الملتقى يومياً، والفنانة التشكيلية أ. عدوية ديوب بلوحاتها المائية الرائعة والشفافة كروحها، وفي حرصها على تلبية طلبات الجميع، واحترامها لمشاعرهم، وبالتفاصيل الصغيرة التي تدفعك للعمل بشغف ونسيان الزمن، ود. سوسن معلا بلطفها ولوحتها التعبيرية التي تظهر تمسكها بالطبيعة الأم، ونتالي مصطفى بروحها المحلّقة وكريمة النفس بلوحتيها ذات الريشة الجريئة التي ألحقتها برسم أصابع الفنانة التشكيلية ليلى نصير بعد زيارتنا لها، والفنان أمير حمدان بلوحتيه مجسّداً دفء المرأة ببنفسجها وتماهيها مع الماء، والفنان صلاح البرّي العاشق للحياة الذي رسم أ. ليلى نصير بالفحم مظهراً روحها مع لوحة تعبيرية دافئة، والفنان عبد الله خدّام بلوحتين تجريديتين ساحرتين وتمنى لو طالت أيام الملتقى أكثر، أتمنى أن نلتقي دوماً على دروب الرسم والفن.
اللاذقية- مروان حويجة