الصّداقة بين الأدباء بعيداً عن غيرة أهل الكار
يقول أبو حيان التوحيدي في كتابه”الصداقة والصديق”: وأما الكتَّاب وأهل العلم، فإنهم إذا خلوا من التنافس والتحاسد والتمادي والتماحك، فربما صحّت لهم الصداقة، وظهر منهم الوفاء، وهذا القليل من القليل.
وهذا يعني أن التوحيدي يشكك في صداقة أهل الأدب والفكر فيراها نادرة، بل لعلها مستحيلة، لأن التنافس والتحاسد يقوض أسسها.
وكان الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط يقول: إن الصداقة هي تلك العلاقة بين شخصين يسود بينهما الحب والاحترام المتبادل. مع ذلك لم يصادف صاحب كتاب “نقد العقل المحض” أي أحد من الذين كانوا يترددون على منزله مساء كل يوم للاستفادة من أفكاره.
لكن، رغم ذلك فإن المشهد لا يخلو من استثناءات أشار إليها الأديبان الصديقان مالك صقور، رئيس اتحاد الكتاب العرب سابقاً، وراتب سكر، خلال الندوة التي أقامها فرع حمص لاتحاد الكتاب، ظهر الأربعاء الفائت، تحت عنوان “الصداقة بين الأدباء”..
فقد تجاوز الحديث فيها صداقة الفيلسوف الألماني غوته ومواطنه شيللر، أو الصداقة التي جمعت بين الأمريكي هنري ميللر مع البريطاني لورانس داريل، على سبيل المثال، وانطلقت من الحديث عن صداقة كلا الأديبين صقور وسكر مع الباحث والأديب الراحل الدكتور رضوان قضماني الذي كان مقرراً له المشاركة في هذه الندوة لولا أن الموت عاجله وحال بينه وبين مشاركة صديقيه الرأي حول صداقة الأدباء.
عاد الكاتب مالك صقور في الحديث عن علاقته بالدكتور قضماني إلى العام ١٩٧٠ حيث جمعتهما مدينة موسكو الروسية التي كانا يكملان دراستهما فيها، واستمرت الصداقة بعد عودتهما إلى الوطن وعملهما في المجال الأدبي والإعلامي، دون أن تشوب عرا الألفة بينهما عداوة أهل الكار.
ثم انتقل صقور للحديث عن الصداقة بين الأدباء الروس، لاسيما الكسندر بوشكين وغوغول الذي كان عمره ٢٩عاماً عندما بدأ الكتابة، فكان يعتبر كاتباً ناشئاً عندما زار بوشكين في منزله لأخذ رأيه بما يكتب، لكن الخادم منعه بحجة أن سيده نائم ولا يستطيع استقبال أحد، ذلك الموقف جعله حزيناً سنتين كاملتين، إلى أن قرأ تصريحاً لبوشكين يمتدح فيه ما يكتبه غوغول ويعتبره كاتباً واقعياً مهماً وله مستقبل مبهر، عندها زاره غوغول وتكونت بينهما صداقة متينة بعيدة عن المنفعة.
وتحدث أيضاً عن علاقة تشيخوف ومكسيم غوركي، وتولستوي وتشيخوف، فقد كان تولستوي يحب قصص تشيخوف، لكنه لم ترق له مسرحياته، وصارحه بذلك مرة عندما زاره تشيخوف أثناء مرضه، وعن ذلك يقول تشيخوف تحدثنا في كل شيء وعندما هممت بالخروج أمسكني من يدي وقال لي تعال تعال قبلني، وعندما قبلته همس في أذني وقال: قصصك جميلة ومسرحياتك هناك، شكسبير مسرحي رديء وأنت أردأ منه.
لكن تشيخوف لم يحزن لأنه كان يعرف رأي تولستوي بمسرح شكسبير.
وختم صقور حديثه بالغمز من طرف الكتاب الناشئين، الذين ما إن يحصلوا على بطاقة اتحاد الكتاب العرب حتى يجدوا أنفسهم أهم من تشيخوف، وهو محق في ذلك إلى حد كبير.
الدكتور راتب سكر تناول بدوره الصداقة التي جمعته مع الراحل قضماني، معدداً مناقبه ومزاياه التي أبرزها كرمه وتواضعه وإيثاره لأصدقائه على نفسه، وتحدث عن علاقته به كعميد لكلية الآداب جامعة البعث، التي بدأ سكر التدريس معيداً بها، حيث كان يتعامل معهم كزملاء وليس كعميد وأساتذة.
وعاد في حديثه إلى صداقة الشاعر أبي تمام مع البحتري وديك الجن الحمصي، خلال لقائه بهما في حمص، وعلاقة أبي تمام مع علي ابن الجهم في بغداد، وقد رثاه بقصيدة مؤثرة عقب رحيله.
ومن الأدباء المعاصرين، ذكر محمود درويش وصداقته مع ماجد أبو شرار، وسميح القاسم ومعين بسيسو الذي رثاه في قصيدة تمجد قيم الصداقة.
آصف إبراهيم