الوصول للقمة.. يبدأ من العجز غالباً
يقول محللو شخصيات أصحاب المجد أن هؤلاء يعملون بجنون ولا يراعون في ذلك أنفسهم أو الآخرين، وغالباً ما تكون عناصر النجاح كامنة في مشاعر التعاسة والمرض والهوان التي تحفز الطاقة وتفجرها كي يكون الأداء عظيماً، كذلك يلعب عنصر زمان ومكان الميلاد للشخص دوراً في تمهيل طريق المجد والشهرة، وعلى سبيل المثال ماذا كان سيكون مصير موسيقار نابغة مثل (موتسارت) لو أنه ولد في بيئة مختلفة عن التي ولد فيها، وليس لموسيقار كوالده، وماذا لو ولد في عصر غير الذي ولد فيه حيث كان عصر ازدهار الموسيقا؟.
وإضافة للمكان والزمان توفرت الموهبة والعمل على تفجير الطاقة ليتحقق الإنجاز إذا توفر الطموح، وإدارة الطموح تكون، عدم الالتفاف إلى أي شيء بخلاف الهدف المنشود، والعمل الجنوني المتواصل مهما كانت الظروف من دون مراعاة للنفس أو للآخرين سواء كانوا أصدقاء أو منافسين، ومن أمثلة ذلك أيضاً الموسيقار (بتهوفن)، والفنان (مايكل إنجلو) الذي ظل يعمل طوال سبع سنوات في رائعته (يوم الحساب) وتضمنت 391 شخصاً على مساحة 200م مربع وأنجزها في العام 66 من عمره وعاونه في هذا العمل الضخم ساعد واحد يقوم بإعداد الألوان ومزجها، وحين توفى عن 88 عاماً كان قد أمضى منها 75 عاماً في الرسم والحفر، ويصف البعض هذا الإصرار بأنه يأتي في إطار الرغبة في (تحقيق الذات) وتقتضي التحرر من الواجبات والالتزامات تجاه الآخرين.
ويقول محللو هذه الشخصيات إن من ارتقوا سلم المجد لم يكونوا فقط شخصيات شقت طريقها بالعنف والتآمر والخداع والتملق والانتهازية، إنما كانت هناك شخصيات حققت المجد مع تميزها بصفات حسنة، غير أن القائمة لا تضم الكثيرين من هؤلاء، فالعناية الإلهية توزع المزايا، وليس من المتوقع أن تكون العبقرية مصحوبة بكيان يبعث على المحبة مثل الفيلسوف الألماني (شوبنهار) الذي أكد على أن العبقري هو جار سيىء، ويقول (فاجتر) لا أفهم كيف يمكن لإنسان يشعر بسعادة فعلية أن يبدع فناً، ومثال على نجم التنس العالمي (بوريس بيكر) الذي بدأ اللعب وعمره 6 سنوات ولم يظهر حينئذ مهارة تذكر ونظراً لسوء أوامره ضمه المدرب إلى مجموعة الفتيات، وإلى جانب التعاسة والقتل التي تميز بها (فردريك العظيم ونابليون) كانا أقصر قامة من جنودهما، وتقول (مادونا)، إنني أستمد طاقة حياتي من فزعي الشديد أن أكون متوسطة، أما الزعيم السوفييتي السابق (جورباشوف) الذي يرجع إليه الفضل في كثير من التغييرات التي شهدتها أوروبا، لكنه بعد ابتعاده عن السلطة استمر في الظهور كشخصية عامة في المناسبات الاجتماعية المختلفة، وهذا من شأنه أن يقضي على الاهتمام به، بينما لو اختلفت نهايته السياسية كأن يقوم المتمردون عليه بنفيه أو اغتياله، ليلقى مصيراً كمصير بوليوس قيصر أوغاندي أو كنيدي، لامتد صيته مع التاريخ، ورغم قناعة المحللين بما يسوقونه من عناصر ضرورية للنجاح والعظمة، إلا أنه كما سبقت الإشارة، هناك نماذج حققت ذاتها ونجاحها مع احتفاظها بالمحبة والاحترام.
د.رحيم هادي الشمخي
أكاديمي وكاتب عراقي