هل يستطيع بايدن مواجهة التنين الصيني؟!
من الواضح أنّ صراعاً محتدماً قد بدأ قبل أشهر عدّة بين جمهورية الصين الشعبية، والولايات المتحدة الأمريكية. هذا الصراع لا ينحصر فقط في المجال التجاري، بل يتعداه إلى أبعد من البلدين في السياسية والحفاظ عن الأمن القومي، وعلى مناطق النفوذ والهيمنة في العالم، وفي سباق التسلح. لكن هذا الصراع لن يتحول إلى مجابهة عسكرية نتيجة حسابات عديدة وتوازنات دولية متعاقدة ومتعارضة، كما يعتقد البعض، وتحت أي ظرف كان.
المؤكد أن هذا الصراع سوف يزداد ضراوة أكثر من الحرب الباردة التي كانت بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق. في القرن العشرين، كانت الحرب الباردة بين قطبين يقودان تكتلين أيديولوجيين مختلفين، بين الرأسمالية والاشتراكية. أما الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية سوف يكون صراعاً بين ندين اقتصاديين عملاقين، يحاول كل واحد منهما التوسع والتمدد وبسط سيطرته إلى أبعد مدى في مناطق النفوذ الاقتصادية والتجارية، وما يرتبط بهما من قضايا أمنية وعسكرية، على حساب مساحة نفوذ وسيطرة الآخر. مع العلم أن الصين لا تسعى كما كان يفعل الاتحاد السوفييتي السابق، بل تعمل جاهدة على فتح أسواق العالم لها، وبالذات في القارة الإفريقية والقارة الآسيوية، ومناطق أخرى في هذا العالم المترامي الأطراف، وضمان استمرار تدفّق المعادن والمواد الأولية، والمواد الخام، وتحديداً الطاقة (النفط والغاز).
من جهتها تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين كندّ تخشاه في الوقت الراهن، وفي المستقبل، لأنها تعتبر التنين الصيني قد خرج عن تطوّره الطبيعي، وبات يهدد دورها وهيمنتها وتفوّقها وريادتها العسكرية والاقتصادية والتقنية الفائقة التطور، ويزاحمها على قيادة النظام العالمي. وبالتالي، فإنّ مصالحها الخاصّة الواسعة تقتضي كبح اندفاعاته التي باتت تتسع لتشمل مختلف قارات العالم، وخصوصاً المواقع التي كانت تعتبر حكراً على الولايات المتحدة الأمريكية وساحة هيمنتها ونفوذها ومصالحها الكبيرة.
ولذلك أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن تشكيل فريق عمل تابع لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) حول الصين، ترتكز مهام هذا الفريق على مراجعة فورية ودقيقة لاستراتيجية الجيش الأمريكي في التعامل مع التحديات التي تمثلها الصين.
مما لا شك فيه أنّ هناك مروحة واسعة من الخلافات البينية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حول مختلف القضايا التجارية والاقتصادية والتكنولوجية والسيبرانية والصناعات العسكرية والدولية، وهي قضايا تتراكم من دون حل، خاصةً أنّ الإدارة الأمريكية السابقة رفعت وتيرة الخلافات التي تحوّلت إلى أزمات معقدة وصعبة الحل أورثتها لإدارة الرئيس جو بايدن التي تجد نفسها محكومة بسقف معين من سياسات الضغط دون أن يؤدي ذلك إلى صدام عسكري مباشر أو حرب باردة جديدة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعي أنّ مزيداً من التصعيد قد لا تكون تكلفته هينة بالنسبة للبلدين.
ريا خوري