ثقافة وفن

صباح فخري.. أسطورة الفن العربي الأصيل

رحل الفنان صباح فخري، وبقيت ذكراه لكل حين، فهو نجم القدود الحلبية وسلطان الموسيقا التراثية العربية، ترك وراءه مدرسة ولدت بمولده، لازال طلابها ينهلون من معالمها دورس الفن العربي السوري الأصيل، حيث استطاع هذا الفنان المتألق دوماً في سماء الوطن العربي أن يقدم بصوته الذهبي كل ما ينتمي إلى الطرب العربي الجميل.

صباح فخري علم بارز بين المطربين السوريين والعرب القلائل الذين أغنوا المكتبة الغنائية العربية بما قدموه من ألحان في الموسيقا والغناء، فهو صاحب صوت تهتز له الآذان المستمعة بالقدود الحلبية، أسس لمدرسة في عالم الغناء تحافظ وتطور ما هو جميل في عالم الغناء، وتسعى لطرد ما هو طارئ ورديء.

عاش الفنان صباح فخري عندما كان صغيراً عصر أساتذة الطرب والفن الكبار، ولم تكن حينها مدارس تعلم الغناء قائمة، لذلك كان رحمة الله يذهب إلى بعض الأساتذة أمثال الشيخ علي الدروسي، والشيخ عمر البطش ومجدي العقيلي وبكري الكردي ليتعلم أصول الغناء، وفي عام 1947 بدأ الغناء بشكل رسمي عندما دخل الإذاعة السورية وأخذ يتردد على المعهد الموسيقي العربي الشرقي، حيث درس الفنون الغنائية بأنواعها كالمقامات العراقية كالصبا، والزهيري، والحسيني، كما درس الإيقاعات والسوليفيج ودرس العزف على العود ورقصة السماح، كما درس أهمية الألوان التراثية ومن جملتها القدود التي لم تكون واضحة لدى المطربين في سورية سابقاً، فاستطاع صباح فخري أن يهتم بها ويغينها في الحفلات العامة والخاصة ومن بلد إلى بلد، حتى بدأت بالانتشار وذاع صيتها، وقد غنى بعضاً منها المطرب العراقي صاحب المقامات العراقية (محمد الكبنجي) والفنان (ناظم الغزالي) ويرجع لهم الفضل في نشر القدود عربياً وعالمياً.

يتميز الفنان الكبير صباح فخري أن أغانيه هي من ألحانه، وليست من الألحان التراثية القديمة، ولكن بسبب قيمتها الموسيقية، لا يمكن تمييزها من الأغاني القديمة، فأغنياته أصبحت تراثاً، ومنها التي لحنها وغناها مثل، همزة الحب، قل للمليحة، يا حادي العيس، سمراء وغيرها.

مدرسة صباح فخري ستنمو وتكبر لأن هذا الفنان الكبير بحث عن المعرفة والتراث في أدق التفاصيل، أما موسيقاه فهي تحاكي القلب والعقل والحس، ولهذا فقد كان هاجسه أن يكون دائماً عنصر بناء في هذا المجتمع، مع تأكيده المتواصل أن الموسيقا هي لغة الكون، فعندما تعم وتنتشر يعم السلام، لأن الناس الذين يسمعون ويتذوقون الموسيقا سيتأثرون وينعكس ذلك عليهم بالطبع الهادئ والروح الشفافة.

عندما نتذكر الفنان صباح فخري إنما نتذكر تاريخ سورية والعرب الفني، هذا الفنان الأسطورة الذي نتذكره عندما اعتلى مسارح بغداد والبصرة، وغنى على شواطئ نهر دجلة والفرات، وأطرب من حوله، كان رمزاً فنياً حقيقياً أهدته سورية من حلب لكل العرب، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

 

د.رحيم هادي الشمخي

أكاديمي وكاتب عراقي