تونس تنفض غبار “النهضة”
تعيش تونس حالياً على وقع تدابير استثنائية تؤسّس لتغيرات جذرية على جميع الصعد في محاولة من رئيس الجمهورية للخروج بالبلاد من حالة الأزمة متعدّدة الأبعاد التي عاشتها منذ عشر سنوات. خلال العشرية الماضية عاشت تونس أسوأ عقد لها في تاريخها، فجميع المؤشرات تؤكد أن تونس كانت تسير إلى الخلف بحكم عجز المنظومة السياسية عن تحقيق الحد الأدنى من تطلعات المواطنين. وكان لحركة “النهضة” المسؤولية الأساسية في الوضع البائس الذي أصبح عليه البلد، ودخلت بذلك البلاد في نفق مسدود ألقى بظلاله على المشهد السياسي والاقتصادي. وأمام الأوضاع الخطيرة التي تهدّد البلاد واستقرارها وسيادتها، لم يبق أمام الشعب التونسي وقواه ونخبه السياسية الوطنية والتقدمية، وأمام رئيس الجمهورية والقوات المسلّحة، للارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية والأمانة التاريخية، سوى التنادي من أجل إنقاذ البلاد والشعب من براثن طغمة فاسدة أثبتت التجارب عبثية الحوار معها.
بلغ المأزق السياسي والاقتصادي في تونس ذروته، بعد أن سيطرت “النهضة” على الاقتصاد الوطني، وأغرقت البلاد في الديون، ودمّرت القطاعات الإنتاجية فازداد حمل المواطنين ثقلاً، وتجمّعت الثروات بيد بعض العائلات المتنفّذة، واتسعت الفوارق الطبقية والتحقت غالبية الشعب بصفوف الفقراء.
نتيجة هذه الأوضاع المتردّية بدأ الشعب التونسي بالتعبير عن غضب تراكم طويلاً وكان وقوداً للمظاهرات، ومقدمة انقلاب قيس سعيّد السياسي بعد أن أثبتت التجربة الوطنية في تونس طيلة العشرية السوداء من حكم “النهضة”، أن الحوار معها ليس أكثر من هدنة تُقدّم إليها كل مرّة لتعيد الانتشار والتمكّن، حتى وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من مأزق عميق وخطير وغير مسبوق، وهو ما حتّم التحرّك الحاسم للشعب والرئيس والقوات المسلّحة.
تعيش تونس ظروفاً استثنائية، وبالتالي فإن هذه الظروف تستوجب إجراءات استثنائية أيضاً في إطار حالة الطوارئ التي ينظّمها الأمر الرئاسي الصادر عام 1978، الذي أصدره آنذاك الزعيم الحبيب بورقيبة. وهذه الإجراءات تبقى ضرورية لوضع حدّ لحالة العبث والفساد الذي استفحل في البلاد.
وفي الجانب السياسي ستطرح قرارات الرئيس أمر إصلاح المنظومة السياسية ومعالجة أوجه القصور والخلل فيها، من أجل إعادة النظر في بعض القواعد الدستورية والقانونية، التي أسهمت في خلق منظومة حكم مشتّتة ومتضاربة وعاجزة.
بالإضافة إلى ذلك إقرار خطة عاجلة للإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي تجنّب البلاد الإفلاس المعلن وسيناريو الوصاية الخارجية، وتضمن الاستقرار الاجتماعي وقوت التونسيين وصحتهم واستمرار الخدمات الحيوية التي باتت شبه منعدمة في كل المجالات.
من الواضح أن الخطر الذي يتهدّد تونس ما زال قائماً وهو ما يفسّر الإطالة في المرحلة الاستثنائية. ذلك أن التخلّص من خطر إرهاب “النهضة” وتصفية تركتهم الثقيلة ليس بالأمر الهيّن، وهو ما يتطلب وحدة الشعب والجيش والرئاسة حول هذه المهمّة الوطنية العليا والاتفاق على خارطة طريق في عناوين يلتزم بها الجميع، بما في ذلك رئاسة الجمهورية.
د.معن منيف سليمان