ثقافة وفن

وليد معماري: أكثر من حياة لموت واحد

نعت الأوساط الصحفية والثقافية المحلية الصحفي والقاص السوري “وليد معماري” -1941-2021-، الذي انتقل إلى ملكوت السماء، بعد حياة صحفية وثقافية حافلة، بدأها قبل أكثر من نصف قرن، عندما بدأ بكتابة زاوية “قوس” قزح في الصفحة الأخيرة من صفحات الزميلة “تشرين”، الزاوية التي قرأها جميع من مرتّ عليه تلك الصحيفة، وكانت من الشهرة بمكان، أنها أصبحت الزاوية الصحفية التي يبتاع الناس لأجلها الصحيفة، خصوصاً وأن أسلوب معماري الساخر، أعطى لتلك المساحة روحاً خاصة، زاوية عُرفت بكونها ناقدة، وجريئة، وساخرة، عدا عن كونها حملت هموماً مجتمعية، ثقاقية، فكرية، دأب الأديب الراحل على جعلها من الناس ولهم، وهذا ما تحقق من خلال ما يقارب الـ 3000 زاوية، كتبها معماري خلال عمله الصحفي.

اللافت فعلاً بهذا الرحيل الأخير لصاحب “أحزان صغيرة” -1971- ، هو القلوب التي نعته بمحبة منقطعة النظير، فما من كلمة كُتبت إلا لتحكي عن تلك الروح الطيبة والأصيلة التي خفقت بها حياته، جميع المشتغلين بالشأن الصحفي والثقافي، أجمعوا على شيء واحد، وهو الحياة المليئة بالعطاء والحب والخير، التي عاشها الرجل القادم من “دير عطية” وكان همه الأساس، هو هموم الناس، مواجعهم، أفراحهم، أتراحهم، وكل ما يخصهم، وبذلك نال المؤلف محبة واحتراماً منقطع النظير، عبّر عنه الكثير من الناس..

 بعض من شهادات الحب

الكاتب والأديب “حسن م يوسف” كتب على صفحته الزرقاء، ناعياً صديقه الراحل: “تضيق الكلمات في حضرة هذا الرجل، وليد معماري قيمة إنسانية قبل أن يكون قيمةً أدبية كبرى، وقيمةً إعلامية متوهجة نذرت نفسها لهموم الناس والدفاع عن مصالح الفقراء والذين لا صوت لهم، وليد رجلٌ كان منسجماً مع نفسه طوال حياته عاش نظيف اليد والقلب واللسان، وقدم لنا إبداعاً سوف يبقى طويلاً، إبداع في مجال القصة القصيرة، وفي المقال الصحفي والتحقيق والدراسات، أعتقد أننا بحاجة لوقت كي نستجمع أنفسنا من هول هذه المصيبة التي لحقت بنا”.

وعلى صفحته الزرقاء أيضاً، كتب الأديب نزار بريك هنيدي، ينعي صديقه الراحل قائلاً: “يؤسفني شديد الأسف أن أنعي لكم واحداً من أهم كتاب القصة القصيرة ومن أهم كتاب الزاوية الصحفية ومن أهم أركان الحياة الثقافية السورية طوال العقود السابقة، صديق العمر الأديب وليد معماري “أبو خالد” الذي سيبقى علامة متميزة في تاريخ الأدب العربي المعاصر”

أما الصحفي والكاتب “علي وجيه” فقد قدم اعترافاً بالفضل للأديب الراحل، بعد أن وضع على صفحته الزرقاء: ” بدأتُ مشوار الكتابة من جريدة الدومري منذ ما يقارب عشرين عاماً، وفيها تعرّفتُ على الرجل الأيقونة الذي علّمني الكثير، وكان حريصاً عطوفاً كأب، مع شاب في المرحلة الثانوية يراسله من دير الزور، ثم راح يجلسه في مكتبه بدمشق، ليعطيه تمارين للكتابة بكرم وصبر لا حدود لهما. أنعى وليد معماري بكل حزن، مع شعوري بالامتنان الأبدي تجاه كاتب لا يقلّ توهجاً عن أهم الأدباء الساخرين في العالم. وداعاً”..

الصحفي وسام كنعان، حرص أيضاً على إظهار امتنانه للأديب الراحل، قائلا: “بألوان قوس قزح رسم أحلامنا المهنية وحفر بثبات داخل وجداننا! يموت الكاتب دون أن يعثر على أجوبة شافية لأسئلته القلقة،وليد معماري أول من أشعل شغفي الهائل، لهذه المهنة”..

الإعلامي سامر يوسف، مدير “شام أف أم” كتب: ” قوس قزح يظهر لفترة قصيرة جداً، ولكن الأثر الذي يتركه كبير جداً والأثر الذي تركته في جيلنا لن يزول الرحمة لروحك”..

أما الكاتب والقاص الأردني “كمال ميرزا” فقد كتب أيضاً ما اعتمل بدواخله عن الحدث: في حداثة عهدي قرأتُ لمعماري قصة قصيرة عنوانها “أبناء العنزة”، أظنّها قد فازت في ذلك الوقت بالمركز الأول في مسابقة على مستوى الوطن العربي نظّمتها مجلة “العربي” الكويتية. القصة كانت من أكثر النصوص العربية التي قرأتها إبهاراً، وأظنّ أنّها قد أثّرت كثيراً فيّ وفي تكويني ككاتب فيما بعد. الرحمة لوليد معماري.”

 نبذة عن السيرة الذاتية للأديب والصحفي الراحل

ولد في دير عطية عام 1941 يحمل إجازة (ليسانس) في الفلسفة وعلم الاجتماع من جامعة دمشق 1970. عمل في التدريس، ومديراً لمركز إنعاش الريف، وصحفياً في جريدة تشرين. نشر قصصه الأولى في الصحف والمجلات السورية، وهو عضو جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب العرب عضو اتحاد الصفيين السوريين.

تنقل في دراسته بين مدينتي إربد وعمان في الأردن ثم دمشق فالنبك بلد والدته ثم دير الزور، ما أعطاه تجربة غنية انعكست في كتاباته، إضافة إلى بيئة أسرته وجده وجدته، فوالده كان قارئاً نهماً يتابع كبريات المجلات الأدبية والفكرية في الوطن العربي، كما كانت أمه قارئة تتقن اللغتين العربية والفرنسية رغم أنها لا تحمل شهادة، كما ترك له أعمامه الذين هاجروا مكتبة ثرية فبدأ القراءة مبكراً، ونشر لأول مرة في مجلة مصرية للأطفال اسمها سندباد.

عمل كمعلم وكيل في قرى نائية على ضفاف نهر الفرات، ثم في أرياف دمشق، ثم حصل على أهلية التعليم الابتدائي، شرع بطبع مجموعته القصصية الأولى (أحزان صغيرة). ثم بدأ العمل في صحيفة تشرين الدمشقية عام 1976، كمخرج فني، وفي هذه الفترة بدأ أولى كتاباته للأطفال.

أهم الأعمال الأدبية: أحزان صغيرة – مجموعة قصص – 1971 – اشتياق لأجل مدينة مسافرة – مجموعة قصص – وزارة الثقافة – 1976. – شجرة السنديان – مجموعة قصصية للأطفال – وزارة الثقافة – 1976. – أحلام الصياد الكسول – مجموعة قصصية للأطفال – وزارة الثقافة – 1977. – دوائر الدم – مجموعة قصص – اتحاد الكتاب العرب – 1980. – زهرة الصخور البرية – مجموعة قصص – المنشأة العامة للطباعة (ليبيا) – 1981. – حكاية الرجل الذي رفسه البغل – دار الأهالي – 1984 – 1985 (طبعتان). – مقدمة للحب – نصوص – مكتبة ميسلون – 1985. – درس مفيد – للأطفال..

أعمال مسرحية: شاي بالنعناع – مُسرحت عام 1991. – الصياد والملك – للأطفال – مسرح الطفل – وزارة الثقافة – 1994 – مغارة الأسرار – للأطفال – قُدمت باسم (الشاطر حسن) – حمص – 1995.

سينما. تلفزيون. إذاعة: -شيء ما يحترق (فيلم طويل) – المؤسسة العامة للسينما – 1994. – الزائرة – التلفزيون السوري – 1995. – عطينيإدنك – برنامج إذاعي يومي صباحي ساخر – إذاعة دمشق – 300 حلقة.

الجوائز: الجائزة الأولى في مسابقة اتحاد الكتاب الخاص بأعضاء الاتحاد – 1979- الجائزة الأولى في مسابقة مجلة العربي الكويتية 1996- جائزة صحيفة السفير اللبنانية 2004.

الترجمات: ترجمت بعض أعماله إلى اللغات: الروسية، الإنكليزية، الفرنسية، الإسبانية، الألبانية.

إعداد: تمّام علي بركات