أفغانستان أكبر مرتع للإرهابيين قريباً
باتت مسألة انسحاب القوات الأمريكية والأطلسية خلف الظهور، بالرغم من أن البحث في أسبابها وتوقيتها وشكلها مازال قيد النقاش والدراسة من قبل المتخصصين والأكاديميين المختصين في الشؤون السياسية والاقتصادىة والجيوبولتيكية. في ظل ذلك بات السؤال اليوم وهو سؤال ملح، مازالت الإجابة عليه ضبابيا نوعاً ما، وهو كيف ستكون أفغانستان خلال المرحلة المقبلة؟.
هذا السؤال يدفعنا لوضع عدد من الاحتمالات أو السيناريوهات الواردة وفق الاطلاع على تاريخ هذا البلد والتداخلات العسكرية والأمنية فيه..
السيناريو الأول: في ظل تشرذم الوضع الداخلي على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتنافر جزء من الشعب والقوى السياسية وحتى المسلحة، فإن هيمنة “طالبان” على الحكم قد يدفعها نحو الانخراط في قوة عسكرية لن تكون بعيدة عن تلك التنظيمات الإرهابية كـ “داعش خراسان” على سبيل المثال، في ظل تحديات جمة وحقيقة. إذاً العامل الأول يكمن في تحويل أفغانستان إلى مرتع للإرهابيين من كل دول العالم، والذين يرون في أفغانستان عموماً ساحة تدريب وبـ “طالبان” خصوصاً حليفاً يمكن أن يمنح المساعدة والخبرة لمن يريد من التنظيمات نتيجة تقاربها تحت مسمى الدين والعقائدية.
يرى هارون ي. زيلين – زميل “ريتشارد بورو” في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى- أثناء ندوة عقدت في معهد واشنطن للدراسات، أن هناك عناصر رئيسية ستلعب دورها في رسم معالم النشاط الإرهابي والذي سيكون أولها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتعبئة المقاتلين الأجانب أمام أعين الادراة الأمريكية، والطريقة التفاعلية التي أظهرتها الجماعات المتطرفة الأخرى مع سيطرة “طالبان”، باستثناء حركة “المقاومة” الأفغانية في منطقة بنجشير ذات التضاريس الوعرة والموقف الرافض للانصياع للحكم الطالباني، فضلاً عن هوية وطبيعة السجناء المحررين من قبل “طالبان”، وبدء عودة الشخصيات الرئيسية في تنظيم “القاعدة” إلى الساحة الأفغانية.
السيناريو الثاني: ويكمن في الإجابة عن سؤال لماذا تركت الولايات المتحدة أسلحتها وبخاصة طائرات من طراز “يو إتش-“60 بلاك هوك، وطائرات مروحية هجومية وطائرات عسكرية مسيرة من طراز “سكان إيغل”، وحوالي ألفي عربة مدرعة منها ما هو من طراز “هامفي” المتطورة، ومنظومة صواريخ “سي رام” وبنادق هجومية أمريكية طراز “إم 4” و”إم 16″،والعديد من أشكال الأسلحة الأخرى، فعلى الرغم من تهرب المسؤولين الأمريكيين وفي مقدمتهم المتحدث باسم وزارة الدفاع “جون كيربي” وقائد القيادة المركزية الأمريكية “كينث ماكينزي” بالقول بأن هذه الطائرات والمعدات والعربات والصواريخ تم تعطيلها، إلا أن الواقع يفرض احتمالين، فمن ناحية إن ادعاء هؤلاء هو كاذب والدليل أنه بعد حدوث التفجير ظهرت طائرة حربية مروحية في سماء كابول تعود لحركة “طالبان” وهي من المخلفات العسكرية للجيش الأمريكي التي كانت بحوزة الحكومة المنهارة، وربما يكون بالفعل تم تعطليها ولكن لدى “طالبان” الخبرات والعلاقات مع الدول والتنظيمات التي تساعدها في إعادة إصلاحها.
هذا الكم الهائل من الأسلحة والذي يقدر بـ 85 مليار دولار، حسب النائب الجمهوري في مجلس النواب جيم بنك، والذي قدم برفقة 15 عضواً طلباً لاستجواب وزير الدفاع عن سبب ترك هذه الأسلحة هناك وقائمة بها، ما يعني وجود دعم أمريكي ضمني لحركة “طالبان” في السيطرة على الحكم، وخاصة من كان يراقب خلال الفترة السابقة تهاوي الحكومة الأفغانية، ومن ثم احتلال القصر الرئاسي أمام أنظار القوات الأمريكية، بل إن تبرئة “طالبان” من التفجير الذي ضرب مطار كابول نهاية شهر آب الماضي كان من أعلى قمة الهرم السياسي الأمريكي متمثلاً بالرئيس جو بايدن.
هذا الدعم الضمني ربما يعبر عن أهداف وصيغة من التوافق تستخدمها واشنطن عبر “طالبان” في المنطقة من خلال القوة والعنف، ما سيرخي بظلاله على منظومة الأمن العام لإقليم وسط آسيا.
محمد نادر العمري