سفسطة
تبدو علاقة الأبيض بالأسود حميمية جداً، إلى حد أنّ الاندماج والتآلف بينهما يكاد يخلق حالة حوارية تستحوذ على تفكير عميق وتأمل في متع بصرية.
وقد تختلف الآراء حول هذه المسألة، فمنهم من يجد في اللون حرية أكثر في التعبير عن مفردات الخطاب الفني بمدارسه المختلفة،
وهنا، لابدّ من الإشارة إلى تكوين العمل الفني عموماً، والكاريكاتور خاصة، وما يتطلبه من تشكيل واحة بصرية وعزف متفرد على مقامات التعبير البليغ والدقيق، والخصوصية لثقافة كل فنان على حدته.
ويعدّ التلازم بين الأسود والأبيض، أو التضاد، تطويعاً حقيقياً للمساحة البيضاء المتروكة بحرية لإبداع الفنان وتكويناته، من خلال توليف الفراغ، والتقاط كل ما هو بعيد عن العادي شكلاً ومضموناً، بعكس محاولة بعضهم الدفاع عن أفكارهم أكثر من قضية الشكل أو التقنية عموماً. علماً أن الكاريكاتور يحتاج إلى تحقيق معادلة ليست سهلة، بين عمق الفكرة وقوة الخط أو الشكل، فكثيراً ما تستوقفنا أعمال بارعة في تجسيد الحالات والمشاهد، فيأخذنا العمل إلى أبعد ما يمكن تصوره من حركة وانفعال وتكوين جذاب يحقق العمل فيه وظيفته الجمالية في تنمية الحس الجمالي والذوقي عند المتلقي.
إن الدفاع عن فكرة العمل على حساب الشكل هو أمر سفسطائي، ويكون على أساسه للشكل قيمته الكبرى على حساب المضمون المهمّش، وهذا ما يسمى بالتفلسف الفارغ.
وبحسب المعجم الفلسفي المختصر، فإن السفسطة تستخدم مختلف الحيل اللفظية، والأخطاء المنطقية: غش المفاهيم، واستغلال تعدد مدلولات الألفاظ، وتجاهل المضمون لصالح الشكل، وكل هذا بهدف التضليل.
وحول قضية الفن والحياة، يقول أحدهم: إن الحكم على الفن يشبه، إلى حد بعيد، الحكم على الحياة. فعلى أي أساس نقول: إن الدائرة أفضل أو أجمل من المربع، أو إن اللون الأزرق يتفوق على الأصفر؟!
وبعيداً عن كل ما قيل ويقال، لا بدّ للعمل الفني من تحقيق غايته الجمالية المتكاملة التي تعتمد التوافق والتلازم شكلاً ومضموناً.
رائد خليل