دوّار دهليزي
منذ الصرخة الأولى في سبعينيات القرن الماضي، حاولت كثيراً أن أكون مختلفاً شكلاً ومضموناً.. فقمت بتكوين نفسي طبقاً للمواصفات القياسية العصامية مع الالتزام الكامل بالأعراف.
المهم، بعد كل هذا التفكيك وذاك التركيب الذي طال حياتي.. قررتُ أن أبحث عن الإبرة المفقودة في كومة القش لغاية في نفسي.. ومازال البحث جارياً والأمل بالترقيع قائم.
وهنا، تذكرت قول الشاعر:
ضئيلة الجسم، لها فعل متين السبب
حافرها في رأسها وعينها في الذنب..!
وقررت أيضاً (من جملة القرارات) أن أبقي على صوري المنقولة وغير المنقولة.. الملونة منها والأبيض والأسوأ في أرشيفي المرقع.. وأن أصبح (لا انطباعياً) في تصرفاتي مع زملاء المهنة المبدعين في تقطيع الآذان..!
تعرضتُ لشدّ الأذن ظلماً في المدرسة مئات المرات.. وأصعبها (شدّة) في الجهة اليمنى، ونكاية بها – أي الشدة- أصبحتُ يسارياً عنيداً بكل الحركات والانفعالات والإيماءات والغمز والهمس.
إذن، من التفكيك والتركيب وجملة القرارات وشد الأذن، وحكاية فان جوخ الذي قطع أذنه.. وفي مقاربة سمعية، سأسرد لكم الرواية الدهليزية التي تقول إنّ خشية الملك كانت كبيرة.. فكيف يكون ولي العهد بلا أذن وهو الذي انتظر أعواماً حتى أنجبته الملكة..؟!
عرضَ الموضوع على مستشاريه، فاقترح أحدهم أن تقوم المملكة بقطع آذان كل المواليد الجدد، وبذلك يتشابهون مع سمو الوليد.
لم يتوانَ الملك في اتخاذ القرار القاطع.. فمرّت الأيام وتعاقبت الأجيال.. وظل القرار سارياً حتى غدا كل على حدته بأذن واحدة.
وفي زيارة استكشافية قام بها شاب إلى المملكة، استفهم وتعجب.. واستغرب الحال.. وهم استغربوه أيضاً.. فصار الشاب الضيف الآتي من مملكة بني “سمعان غشاء الطبل” محطّ سخرية الناس.. وباتت أذناه أضحوكة وشتيمة ونكتة الموسم. وتحت وابل الألقاب “المخرّشة” التي كانت تنهال عليه.. ضاق ذرعاً بهم، فقرر أن يقطع أذنه ليصير واحداً منهم ومثلهم ..!
وهنا، استوقفني الجواب الذي سمعته من ظلي الواقف قدّامي.. فألهب طنين أذني وجعلني أتلمّسها خوفاً، إذ سألته: هل أدلّك على ثلاثة أمور
كي تنال رضا النور..؟
قال ظلي: لا
قلتُ: أوك..!
وأخيراً، كل طينٍ وعجينٍ وأنتم بألفِ سمعٍ…!
رائد خليل