حكاية من بلدي: بين المباشرة في الطرح والتشتت في الشكل
تمّام علي بركات
تستمر عروض المسرح التجريبي، مديرية المسارح والموسيقا، في تقديم العرض المسرحي “حكاية من بلدي” تأليف جوان جان، إخراج سهيل عقلة، حتى العاشر من الشهر الجاري، وذلك على خشبة مسرح القباني بدمشق.
العرض يتكئ في تقديم حكايته، على الأحداث الدامية التي وقعت في البلاد، مُبديا وجهة نظره في الأسباب التي أدت لما وقع، وإن كانت مقولة العمل ليست وحدها التي يمكن وصفها بالمباشرة وباستحضار عنوانين عريضة مستهلكة، في التصدي لجملة من المقولات الاجتماعية والسياسية المتباينة، التي سادت منذ بداية الحرب عام 2011، أي طرح ما استهلكته وسائل الاعلام لعشر سنوات، بل أيضا في الشكل، فالعرض بصريا لم يكن موفقا في العديد من مفردات السينوغرافيا، إن كان في المزاج اللوني الباهت لكل من الإضاءة والأزياء، بما لا يناسب الحكاية المتغيرة المواقف والذروات، عدا عن كون السواد العام للعلبة الإيطالية، سطا أيضا بدوره على الإضاءة وابتلع دلالاتها، كما أنه-أي المزاج اللوني- جاء حياديا لا يتفاعل بدلالة ما، مع الحامل العام الكوميدي لهذه الفرجة المسرحية، الديكور بدوره جاء مفرطا في رمزيته، كف عملاقة بخمسة أصابع، تتموضع في عمق الخشبة، بطريقة تسبب انقباضا للمتفرج، خصوصا في حركة الأصابع الثقيلة، ومهما كان ما ترمز إليه تلك الكف الضخمة، فيكفي أن لا تصل دلالتها لبعض من الجمهور، حتى تكون غير موظفة بما يخدم الحكاية لا بما يثقل عليها.
“يُمسرح” العرض حكاية “حسن العبد الله” –أدى دوره زهير بقاعي-الرجل الدمشقي البسيط “الأجدب” الذي يجد نفسه متورطا دون علم منه أو رغبة، في علاقة متشعبة المراحل، تارة زعيما بالصدفة على “ثوار” الغوطة! وتارة أخرى منخرطا في الأحداث التي سبقت اندلاع الحرب، وبين الأمن الذي يحضر في الحكاية، ليشكل المقولة السياسية الرسمية، في تصديه للحراك الإرهابي الممول، الذي استغل بساطة الناس وفقرهم وحاجتهم، ليتصدر واجهة المشهد في التحريض على البلد وأهلها، إرهاب برغماتي، يرتدي عباءة الدين تارة، وتارة عباءة حاجة الناس وفقرهم، فالفقر كما قدمته الحكاية، دفع بالابن للخروج في مظاهرات من أحد الجوامع، بعد أن سُدت في وجهه المنافذ الرياضية والثقافية، وعلى هذا المنوال يستمر العرض في تقديم مقولات مستهلكة كما أسلفنا بشكلها الإخباري، ما يجعل منه عرضا مناسبا لليافعين ربما، خصوصا بما قدمه من “منولوجات” غنائية وحركات استعراضية، زادت من التشتت الذي بدا هو المسيطر على المشهد العام للعرض.
من المفاجئات اللطيفة التي حملها “حكاية من بلدي” هو حضور الفنانة القديرة صباح السالم في دور “سعدية” زوجة حسن العبدالله، في أول عمل مسرحي لها بعد رجوعها لمزاولة مهنة التمثيل.
العرض ورغم تقديمه من قبل العديد من الفنانين أصحاب الباع في المسرح، إلا أن الأداء جاء مفككا، غير متجانس، لا على المستوى الصوتي ولا الجسدي، خصوصا وأنه يقدم حكاية تقوم على المفارقات التي تصنعها الحالة الحوارية المرتبطة ارتباطا دلاليا بالحركة.
يمكن القول إن ثمة بونا بين النص وترجمته البصرية، سواء في الرؤية وفي تنفيذها، ما أفسد المتعة المسرحية المتوخاة، الأمر الذي انعكس على عدد الحضور القليل نسبيا!
بطاقة العرض
حكاية من بلدي: تأليف جوان جان/ إخراج سهيل عقلة.
تمثيل: صباح السالم/زهير بقاعي/بسام دكاك/تاج الدين ضيف الله/أنس الحاج/مؤيد الملا/عبير بيطار/طلال محفوض/حمدي عقلة/سهيل عقلة.
مصمم إضاءة: بسام حميدي مصمم ديكور: كنان جود/مصمم ملابس راما فليون/ موسيقا: أيمن زرقان.