هل يفعلها اليمين الفرنسي؟!
تشهد فرنسا حراكاً سياسياً محموماً بعد أن بدأت الأحزاب السياسية بالتحضير للانتخابات الفرنسية المقبلة التي ستجري فيها الجولة الأولى بعد نحو ثلاثة أشهر من الآن. والواضح في هذا الحراك المحموم أنها ستكون مختلفة عن سابقاتها، لأنه من خلال قراءة دقيقة للمسرح السياسي والحزبي الفرنسي يبدو أنّ مفاجآت غير محسوبة ستحدث.
الملفت للنظر أن الرئيس إيمانويل ماكرون لم يعلن عن ترشيحه للانتخابات الرئاسية رسمياً حتى اللحظة الراهنة، لكنه فعلياً دخل في صلب المعركة الانتخابية وجال في دهاليزها، وهو الطامح إلى استثمار فوزه المقبل بتوليه رئاسة الاتحاد الأوروبي مع مطلع كانون الثاني الحالي، لتكريس زعامته أوروبياً وزعامته في الداخل الفرنسي، لكن رغم ذلك سيجد نفسه في مواجهة ساخنة وربما غير مألوفة مع صعود اليمين الشعبوي المتطرف عموماً، وذهاب نحو سبعين بالمائة من أصواته لصالح اليمين المتطرف، بحسب استطلاعات الرأي التي جرت مؤخراً.
وهي مسألة جديدة في مجال السياسة نسبياً، إذ إن اليمين المعتدل غالباً ما كان يفرض نفسه بقوة في معظم الانتخابات الرئاسية السابقة، ربما باستثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث اختلطت الأمور بعضها ببعض، وحصل ماكرون على أغلبية نسبية، لكنه حصد أصواتاً كثيرة من مختلف الاتجاهات. أما اليوم سيجد ماكرون نفسه في مواجهة نساء اليمين واليمين الشعبوي المتطرف، وهذا جديد أيضاً هذه المرة، إذ على الرغم من مفاجأة زعيمة “الجبهة الوطنية” اليمينية المتطرفة مارين لوبان بالصعود إلى الدورة الثانية في انتخابات عام 2017 ، وهو أمر يتوقع أن يتكرر مرة ثانية في انتخابات هذا العام 2022، فإنها لن تكون وحدها هذه المرة، مع دخول المرشحة الصاعدة فاليري بيكريس من حزب “الجمهوريين” اليميني المنافسة القوية والفعلية لتشعل السياق الانتخابي برمته.
وبحسب آخر استطلاعات للرأي، فإن ماكرون حصل على ست وعشرين بالمائة من نوايا التصويت، بينما حصلت بيكريس على سبع عشرة بالمائة متقدمة بنقطة واحدة على مارين لوبان، فيما تراجع اليميني القومي إريك زيمور إلى نسبة ثلاث عشرة بالمائة، في حين ارتفعت على جبهة اليسار حظوظ جان لوك ميلينشون زعيم حزب “فرنسا غير الخاضعة” إلى إحدى عشرة بالمائة متقدماً على عالم البيئة يانيك جادوت بنسبة خمس بالمائة، والاشتراكية آن هيدالغو بنسبة ثلاث بالمائة.
ويرجح هذا الاستطلاع أن تنحصر المنافسة بين ماكرون وفاليري بيكريس ومارين لوبان، دون إسقاط فرضية المواجهة بين ماكرون و إريك زيمور. ويعود سبب تغيير المشهد الانتخابي الراهن، بحسب المحللين السياسيين، إلى أنه للمرة الأولى منذ عام 1945، يشكل اليمين الشعبوي المتطرف أغلبية داخل اليمين، لكن هذا المشهد قد يخلق صعوبات كبيرة في وجه فاليري بيكريس التي يتوجب عليها أن تقنع هذه النسبة الكبيرة داخل اليمين بالتصويت لصالحها ولصالح حزب “الجمهوريين”. وبالتالي، فإن فاليري بيكريس التي حققت قفزة في الاستطلاعات بانتقالها من عشر بالمائة إلى سبع عشرة بالمائة بات يتوجب عليها التركيز على القاعدة الشعبية العريضة وإقناعها ببرنامجها الانتخابي الذي طرحته للتصويت، بما يتضمنه من قضايا سياسية وإصلاحات مهمة وكبيرة، وتحقيق التمايز عن اليمين الشعبوي المتطرف في الملفات الهامة مثل الأمن والهجرة.
اللافت هو أن الرئيس ماكرون دخل صلب المعركة الانتخابية من باب الأزمة الصحية ومن خلال عقابيل أزمة كوفيد 19، مثيراً ضجة عبر تصريحه بشأن الإساءة والضغط الشديد الذي فرضه على حياة المواطنين غير الملقحين، لكن الأسوأ من كل هذا وذاك بالنسبة للرئيس ماكرون، هو أن تعود احتجاجات أصحاب “السترات الصفراء” مجدداً إلى الشوارع مناهضة له ولتوجهاته الانتخابية، حيث ستكون المنافسة أكثر تعقيداً وصعوبةً.
تقرير إخباري_ ريا خوري