أمريكا دولة “فيتوقراطية” وليست ديمقراطية
في 18 تشرين الثاني 2021، ولتأجيل التصويت النهائي على تشريع الرئيس بايدن لإعادة البناء بشكل أفضل، استخدم كيفن مكارثي، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب، تكتيك “الدقيقة السحرية” لإلقاء خطاب بأسلوب التعطيل لمدة 8 ساعات و 33 دقيقة، بهدف إثارة جولة جديدة من المناقشات الساخنة حول إجراءات المناقشة في الكونغرس. وكتقليد سياسي راسخ، كان توسيع النقاش لعرقلة التشريع، والتعطيل، أداة قوية في أمريكا، يعتقد المدافعون أنه يخلق “عقبات مؤسسية لتمكين أقلية من الأمريكيين لمنع نزوات الأغلبية من أن تكرس إرادتها في التشريع”. ومع ذلك، فإن “اندفاع المشاعر المفاجئة والعنيفة” الذي يقلق جيمس ماديسون، الرئيس الرابع للولايات المتحدة، لا يوجد فقط بين الأغلبية، فالنظام ، المصمم كسياج ضد تأثير دافع الأغلبية، كثيراً ما أسيء استخدامه من قبل الأقلية لعرقلة كل شيء، سواء كان جيداً أو سيئاً.
على مدار القرن العشرين، استخدم الديمقراطيون الجنوبيون المماطلة لقتل التشريعات المناهضة للإعدام خارج نطاق القانون عدة مرات. ففي عام 1957، قام السيناتور الديموقراطي آنذاك ستروم ثورموند بالتحدث لمدة قياسية، استمرت لمدة 24 ساعة و 18 دقيقة دون انقطاع، معارضة لقانون الحقوق المدنية لعام 1957. لم يقر مجلس الشيوخ قانون مكافحة الإعدام خارج نطاق القانون لأول مرة حتى عام 2018. في عام 2010 ، أنهي قانون “DREAM” (التنمية والإغاثة والتعليم للقصر الأجانب) في مجلس الشيوخ بسبب التعطيل، ما أدى إلى تدمير آمال الحالمين في الحصول على إعفاء دائم من الترحيل، بحيث بات ما يقرب من 1.9 مليون من الشباب المهاجرين غير المسجلين في الولايات المتحدة مايزالون غير قادرين على الاتصال بوطنهم. وفي عام 2013، بعد حادث إطلاق النار المأساوي على مدرسة ساندي هوك الابتدائية، والذي أودى بحياة 20 طفلاً، اقترح أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون سلسلة من تدابير السيطرة على الأسلحة. ومع ذلك ، وبسبب المماطلة، فشل كل مشروع قانون في أن يمر. حتى يومنا هذا، مايزال “مرض الجندرمة” يمثل تهديداً كبيراً لحياة الأمريكيين وسلامتهم.
ديمقراطية الولايات المتحدة هي ديمقراطية يتم فيها تجاهل المصالح العامة لمجرد التصميم المؤسسي المعيب، والذي لا يشكل حلاً للمشاكل، ولكنه مشكلة بحد ذاتها. لكن المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد، فنظام المماطلة يضخم الانقسام والاستقطاب بين الحزبيين. ولضمان المرور الآمن لمشاريع القوانين الخاصة بهما، يسعى كلا الحزبين لتأمين أغلبية عظمى، الأمر الذي يتطلب 60 مقعداً في مجلس الشيوخ. وتحقيقاً لهذه الغاية، يستنفد الديمقراطيون والجمهوريون كل الجهود لمهاجمة وعرقلة بعضهم البعض في الكونغرس، ما يؤدي إلى شلل في الكونغرس وخلل حكومي. ومن المفارقات، في حين إن كلا الحزبين ملاّ من الجمود المعطل، إلا أنهما يفتقران إلى الإرادة السياسية والحافز لإصلاح النظام بشكل شامل، لأن المصالح الحزبية الأنانية الضيقة، وليس مصالح الناس، هي التي تملي الحسابات السياسية.
لقد سقطت الرؤية الديمقراطية، التي يفترض أنها تخدم الشعب ومصالحه، لتصبح مصالح حزبية. من هنا الديمقراطية هي أكثر بكثير من مجرد شكل من أشكال الحكم، إنها تمثل سيادة الشعب. وبينما يتفاخر السياسيون الأمريكيون بـ “تفوق” ديمقراطيتهم، فإن بلادهم تنحرف باتجاه تحول نظام الضوابط والموازين السياسي إلى نظام فيتوقراطية أو قرصنة تأخير، ما يتسبب في عواقب وخيمة على كفاءة الحكومة. ليس من المستغرب أن يُظهر استطلاع “بيو” أن 57٪ من المستطلعين الدوليين، و 72٪ من الأمريكيين يعتقدون أن الديمقراطية في الولايات المتحدة ليست مثالاً جيداً للآخرين ليتبعوه. وقد أظهر استطلاع للرأي نشرته مدرسة “هارفارد كينيدي” أن 7 بالمائة فقط من الشباب الأمريكي ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها “ديمقراطية سليمة”، أي أن الأمر كله يتعلق بالسياسات الحزبية، ولا شيء يتعلق بالديمقراطية نفسها.
تقرير إخباري- عناية ناصر