تحدياً للواقع…سيدات يقدن «الموتورات» لتأمين قوت يومهن
انتشرت خلال السنوات الأخيرة قيادة الدراجات بأنواعها “الهوائية والكهربائية والنارية” بكثرة بين الجنسين على حد سواء، باعتبارها حلاً آمناً للنجاة من باصات النقل الداخلي التي تعج بالركاب، ناهيك عن كونها سهلة الركون في أي مكان وسهلة الحركة بين السيارات وعلى الأرصفة، والأهم أنها غير مكلفة مادياً في ظل كل ما يتكبده المواطن من غلاء أسعار طال الحجر قبل البشر، في محاولة للتعايش مع واقع مرير فرضته الأزمات وتجارها الذين باتوا الوجه الثاني للعقوبات التي فرضت على البلاد.
رنا صالح “ابنة الرابعة والثلاثين عاماً” تضع خوذتها وتنطلق كل صباح على دراجتها النارية إلى محل الخياطة الذي استأجرته في مدينة القدموس، بغية تأمين قوت يومها بعد أن أصبحت المعيل الوحيد لوالدتها وأختها المريضتين، إثر فقدان رب الأسرة..
تصف رنا صالح تجربتها في حديثها لـ “البعث ميديا” فتقول: باعتبار لايوجد سرفيس على الخط الواصل بين المدينة وقريتي بعد الظهر، أضطر للعودة بالسيارات العمومية التي يبلغ أدنى تعرفة لها خمسة آلاف ليرة سورية على الرغم من أن المسافة بين مركز عملي وقريتي لاتتجاوز الأربعة كيلومترات، وطبعاً التعرفة قابلة للزيادة حسب “مزاجية السائق”.
وعن شراء الدراجة النارية، قالت صالح: نبعت الفكرة للتخلص من عقدة المواصلات التي لم تكن وليدة اللحظة، بل زادت خلال الفترة الأخيرة، كون الدراجة سهلة الركون في أي مكان وغير مكلفة، ولدورها في التخفيف من حالة الفقر الذي عشنا به فترة لابأس بها، وهنا “توجهت بالشكر لجمعية التنمية السورية التي كان لها الفضل في التخلص من تحكم رب العمل بقوت يومها بعد أن زودتها بماكينة وأدوات خياطة”.
وحول موقف الأهل ونظرة المجتمع لقيادتها الدراجة، تقول “صالح”: من الطبيعي أن ألقى الرفض ممن حولي وذلك بحكم العادات والتقاليد التي تحكم مجتمعنا باعتباري فتاة، ولكن هذا لم يثبط من عزيمتي وإصراري، فبعد شراء الدراجة وتدريبي على قيادتها سارت الأمور على أحسن ما يرام، منوهة إلى أنه زادت ثقتها بحكمتها وصوابية قرارها بقيادة الدراجة ضاربة بجلد المجتمع لها وتنمره عليها عرض الحائط. وتضيف صالح أنه مع مرور الوقت وبعد نقاشات مطوله مع من تهتم لأمرهم حصدت نظرات الإعجاب والاستحسان، مؤكدة أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في العمل، فالأنثى ليست بما تعمل فقط، بل بالإنسانية التي تحملها في قلبها وروحها أيضاً.
وعن المواقف السلبية التي تعرضت لها تقول صالح: في إحدى المرات انقطعت من البنزين على الكازية القريبة من القرية بعد رفضهم بيعها البنزين الحر كونها لا تملك بطاقة ذكية، وبقيت في حال انتظار إلى أن حصلت على ليتر بنزين من أحد المارة على الكازية ذاتها، وهكذا كانت تشتري البنزين الحر إلى أن حصلت على بطاقة بزمن قياسي، إذ كانت أول فتاة تأتي لقطع بطاقة بنزين لـ “الموتور”، حسب ما قالوا لها، والمؤسف أن الكازية ذاتها التي رفضت تعبئة البنزين الحر قبل بضعة أيام، عرضت عليها البنزين الحر حينما قدمت البطاقة.
أكثر ما يسعد رنا، على حد تعبيرها، هو انتظار الأطفال الصغار على قارعة الطريق ملوحين لها بأيديهم مع ابتساماتهم البريئة وكأن بهم يقولون “خدينا مشوار على دراجتك”، بينما المحزن هو نظرات الاستغراب والحزن التي تستشفها في عيون بعض الفتيات والنساء وكأن بهن يقلن “ليتنا نملك القليل من قوة إرادتك وثقتك بنفسك التي تفوقت بها على عادات وتقاليد أكل عليها الزمن وولّى”.
مثال آخر تناقلته منصات التواصل الاجتماعي، عن قيادة الدكتورة “روز حمراء” لـ “السنفور الكهربائي” الذي تذهب عليه من بيتها إلى مكان عملها في كلية التربية بجامعة تشرين غير مكترثة بنظرات الاستهجان والتنمر التي كانت تلحظها ليس من السائقين على الطريق فحسب، بل من زملائها وبعض طلابها في الجامعة، مجيبة من يسألها “كيف زابطة معك”، بأن الموضوع متعلق بالثقافة السائدة في كل مجتمع، بينما على النقيض الآخر كانت ترى نظرات الإعجاب بمبادرتها من الكثيرين مثنين على جرأتها ومبدين رغبتهم في تقليدها.
البعث ميديا|| ليندا تلي